تركيا تعرقل التفاهمات السورية – “الإسرائيلية”: مخاوف من “ممر داوود”
تتباين المواقف الأميركية في ملفات المنطقة بين التشديد على دعم “إسرائيل”، ومحاولة الحفاظ على قنوات تواصل مع دول أخرى، ما يخلق التباساً في قراءة سياساتها. ففي غزة، يتمسك الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخطته لوقف إطلاق النار وفق الشروط الإسرائيلية بعد رفض نتنياهو التعديلات العربية، مانحاً تل أبيب غطاءً لتكثيف عملياتها العسكرية في حال فشل المقترح. أما في لبنان، فقد تنصلت واشنطن من ضمان وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، وعادت لتطرح شروطاً أقرب إلى الموقف الإسرائيلي، أبرزها إقامة منطقة عازلة جنوباً، مع تأكيد الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس على بحث هذه القضايا خلال اجتماع لجنة مراقبة وقف إطلاق النار منتصف تشرين الأول/أكتوبر.
وفي سوريا، يظهر التناقض بوضوح أكبر. فمن جهة، تبدي واشنطن احتضاناً لتجربة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، ودعماً لاستقرار المرحلة الانتقالية وتفاهماتها مع المكونات المحلية، ومن جهة أخرى، تمنح غطاءً لإسرائيل لتكثيف عملياتها العسكرية في الأراضي السورية. وكان ترامب يأمل بتحقيق اختراق عبر اتفاق أمني بين دمشق وتل أبيب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن الخلافات حول مرصد جبل الشيخ وتل الحارة، إضافة إلى المقترحات الإسرائيلية لفتح ممر إنساني إلى السويداء، حالت دون إنجاز التفاهم. الشرع رفض هذه الطروحات، فيما أبدى المبعوث الأميركي توم باراك تمسكه بوحدة الأراضي السورية تحت سلطة دمشق.
الدور التركي وتعطيل التفاهمات
تقول مصادر متابعة إن تركيا لعبت دوراً أساسياً في إعاقة الترتيبات الأمنية بين سوريا و”إسرائيل”. فمنذ سقوط النظام السابق، يشهد الجنوب السوري مواجهة غير مباشرة بين أنقرة وتل أبيب. تركيا وسّعت وجودها العسكري في مناطق وسط سوريا، خاصة في حماة وحمص، وهو ما واجهته إسرائيل باستهداف مواقع مرتبطة بهذا التواجد. وتعتبر أنقرة أن لإسرائيل مشروعاً يمس أمنها القومي، خصوصاً في ما يتعلق بإنشاء ممر يصل السويداء بمناطق شمال شرق سوريا، والمعروف إعلامياً بـ”ممر داوود”.
ترى أنقرة أن هذا الممر سيعزز من نفوذ الأكراد في الشمال الشرقي، ويوفر لإسرائيل منفذاً استراتيجياً يمتد حتى حدود تركيا، بما يتيح لها التدخل في مجالها الحيوي. وقد ظهر هذا التوتر في حادثة الإنزال الإسرائيلي بمنطقة الكسوة في ريف دمشق الجنوبي، حيث تضاربت الروايات حول استهداف معدات مرتبطة بتركيا أو محاولة أنقرة تفكيك أجهزة تجسس إسرائيلية.
تنافس على الجنوب
في موازاة ذلك، طرحت تركيا عرضاً لتعزيز وجودها العسكري ضمن قوات الأمم المتحدة في الجنوب اللبناني، لكن المقترح قوبل برفض إسرائيلي، التي تفضل بقاء آلية لجنة مراقبة وقف إطلاق النار بدلاً من قوات متعددة الجنسيات. أما في سوريا، فتطرح إسرائيل إنشاء منطقة منزوعة السلاح، مع مقترحات سابقة لنشر شرطة من أبناء السويداء أو إدخال قوات سوريا الديمقراطية إلى الجنوب، في محاولة لإيجاد ترتيبات أمنية بديلة.
في المقابل، تحاول تركيا توسيع حضورها في جنوب دمشق لقطع الطريق أمام أي محاولة إسرائيلية لفتح ممر إنساني إلى السويداء، معتبرة أن ذلك يشكل تهديداً مباشراً لمصالحها الاستراتيجية. ومع استمرار هذه التجاذبات، يبقى ملف الجنوب السوري نقطة اشتباك إقليمي ودولي مفتوحة على احتمالات متعددة، بين ترتيبات أمنية معلقة ورؤى متناقضة للقوى الفاعلة.
اقرأ أيضاً:رفع النشيد الإسرائيلي في القنيطرة يشعل الغضب وصمت السلطات الانتقالية يثير التساؤلات