المنح الخليجية للاقتصاد السوري.. دعم مؤقت أم دليل على هشاشة الحكومة الانتقالية؟

منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، تحولت المنح الخليجية بسرعة من مجرد حلول إنسانية إلى شريان مالي أساسي يضمن استمرار دفع رواتب الموظفين وتمويل مشاريع طاقة عاجلة، مانحًا الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع فرصة زمنية محدودة لالتقاط الأنفاس، لكنه في الوقت نفسه كشف هشاشة بنية التمويل وضعف السيادة الاقتصادية.

عجز مالي متفاقم

تشير البيانات الرسمية إلى أن موازنة عام 2024 بلغت 35.5 تريليون ليرة سورية مع عجز معلن يقارب 9.4 تريليون ليرة، بينما كانت مسودات موازنة 2025 تتضمن عجزًا أكبر يصل إلى 12 تريليون ليرة، ما دفع الحكومة الانتقالية إلى تعليق العمل بها وإعادة صياغة تقديراتها.

وباحتساب هذه الأرقام على أساس سعر الصرف الرسمي المتداول بنهاية الربع الثالث من 2025 (نحو 13,002 ليرة للدولار)، فإن حجم الإنفاق لا يتجاوز 2.7 إلى 4 مليارات دولار، وهو مبلغ ضئيل للغاية مقارنة بالاحتياجات الهائلة لإعادة الإعمار.

مبادرات خليجية بارزة

ضمن هذا السياق، برزت مساهمات خليجية علنية:

  • أعلن صندوق قطر للتنمية والصندوق السعودي للتنمية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عن مبادرة قيمتها 89 مليون دولار لتغطية رواتب موظفين حكوميين وخدمات عامة لثلاثة أشهر.

  • كما وقّعت جهات قطرية اتفاقيات استثمارية في قطاع الطاقة بحجم يقارب 7 مليارات دولار، تشمل بناء محطات توليد جديدة لتعويض النقص الحاد في الكهرباء.

هذه المساهمات توفر سيولة عاجلة وتضع أساسًا لمشروعات مستقبلية، لكنها تخضع لاختبارات معقدة مرتبطة بالبيئة الأمنية، البنية التحتية المتهالكة، وغياب آليات رقابة شفافة.

من الإغاثة إلى الاستدامة

يرى خبراء أن الدعم الحالي أقرب إلى حلول مؤقتة منه إلى معالجة بنيوية، خصوصًا أن أكثر من 90% من السوريين يواجهون مستويات فقر حادة. ويشير البنك الدولي إلى احتمالات انكماش أو نمو هزيل للاقتصاد السوري في ظل غياب رؤية واضحة لإدارة الإيرادات والإنفاق.

كما تتزايد المخاوف من أن يؤدي الاعتماد المستمر على المنح إلى:

  • خلق تبعية مالية تقلص الحافز على إجراء إصلاحات هيكلية.

  • توزيع غير عادل للموارد على أسس سياسية أو جغرافية.

  • إضعاف سيادة القرار الاقتصادي وربط سياسات الحكومة بشروط المانحين.

“حقن مسكنة” بلا حلول جذرية

المحلل السياسي السوري شريف شحادة قال في تصريح لموقع “الحل نت” إن الاعتماد على هذه المنح لا يشكل مسارًا حقيقيًا للتنمية، بل هو مجرد “حقن مسكنة” تسد فجوات آنية في الموازنة دون أن تعالج الأزمة البنيوية للاقتصاد السوري.

وأضاف أن استمرار التمويل الخارجي مرهون بعلاقات سياسية متقلبة، وقد ينقطع في أي لحظة، بينما تبقى الحكومة عاجزة عن وضع رؤية اقتصادية واضحة أو تهيئة بيئة استثمارية جاذبة. وأشار إلى أن شركات دخلت السوق السورية في السنوات الماضية انسحبت لاحقًا بسبب غياب الضمانات وضعف الشفافية، ما جعل المستثمرين أكثر حذرًا.

بين الدعم والقيود

في المحصلة، تمثل المنح الخليجية عامل إنقاذ قصير الأمد يخفف الضغوط المالية على حكومة الشرع، لكنها في المقابل تعكس ضعفًا هيكليًا في الاقتصاد السوري، وتضع البلاد أمام معادلة صعبة: إما الانتقال من مرحلة الاعتماد على الدعم الخارجي إلى بناء اقتصاد قائم على موارد داخلية وإصلاحات حقيقية، أو البقاء رهينة تمويل خارجي قد يتحول إلى أداة نفوذ سياسي واقتصادي يقيّد القرار الوطني.

اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.