دمشق تستحوذ على 80% من الاستثمارات الجديدة.. مخاوف من خلل تنموي
كشف تحليل اقتصادي حديث عن تركّز لافت في تأسيس الشركات الجديدة داخل العاصمة السورية دمشق وريفها خلال النصف الأول من عام 2025، حيث استحوذت على أكثر من 80% من الشركات المحدودة المسؤولية المسجلة في تلك الفترة. في المقابل، لم تتجاوز حصة محافظة حلب، التي كانت قبل عام 2011 تُعرف بالقاطرة الصناعية والتجارية للبلاد، نسبة 8% فقط من إجمالي التسجيلات، في مؤشر يعكس انتقالاً واضحاً في خريطة النشاط الاقتصادي داخل سوريا.
إشارة على اختلال التنمية
بحسب تحليل أعدّه فريق نشرة “ذا سيريا ريبورت”، اعتبر الخبير الاقتصادي ومؤسس النشرة جهاد يازجي أن هذه الأرقام “ليست مجرد بيانات إدارية”، بل تمثل مؤشراً صارخاً على تمركز الثروات والفرص الاقتصادية في نطاق جغرافي ضيق، بما ينعكس على عمق الاختلالات التنموية التي تعاني منها البلاد.
وأوضح يازجي في منشور له على “فيسبوك”، أن هذا النمط من التركز الاقتصادي ينذر بتحديات كبرى أمام جهود إعادة الإعمار وبناء اقتصاد متماسك، مشيراً إلى أن دمشق باتت تستقطب معظم الأنشطة الاقتصادية مستفيدة من موقعها السياسي والإداري وفرص الاستقرار النسبي، فيما تبقى المحافظات الأخرى على هامش النشاط الاقتصادي، وهو ما يهدد بتعميق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وزيادة معدلات الهجرة الداخلية.
مسؤولية صناع القرار
وأكد يازجي أن صانعي القرار أمامهم مسؤولية تاريخية في التعامل مع هذه المؤشرات بجدية، موضحاً أن التخطيط الإقليمي، وتخصيص الموارد العامة، والحوافز الضريبية والمالية، لا يمكن أن تنجح إذا تجاهلت هذا التفاوت الجغرافي الواضح. وأضاف أن تركيز الاستثمارات في العاصمة “يقوض أي جهد لتحقيق تنمية شاملة ويضعف بناء عقد اجتماعي واقتصادي قائم على توزيع عادل للموارد”.
ولفت إلى أن هذه الأرقام تكسر ما وصفه بـ”الوهم التاريخي” القائل بأن حلب كانت العاصمة الاقتصادية لسوريا، حيث لم تتجاوز نسبة الشركات المسجلة فيها 8% خلال النصف الأول من العام الجاري، وهو تراجع دراماتيكي لمدينة كانت حتى وقت قريب قلب الصناعة والتجارة السورية.
تحذير من مسار خطير
اعتبر يازجي أن استمرار هذا الاتجاه دون تدخلات جادة قد يضع البلاد على مسار خطير يكرّس اللامساواة الجغرافية ويزيد هشاشة الاقتصاد الوطني، مشدداً على ضرورة اعتماد سياسات لا مركزية اقتصادية، مع برامج تحفيزية للاستثمار في المناطق الطرفية والمتضررة من الحرب، إلى جانب ضخ استثمارات في قطاعات البنية التحتية الأساسية مثل الطاقة والنقل والاتصالات.
وأشار إلى أن أي حديث عن تعافٍ اقتصادي حقيقي “سيبقى ناقصاً إذا بقيت دمشق وحدها تستحوذ على النصيب الأكبر من الاستثمارات والشركات الجديدة، بينما تظل بقية المحافظات بلا موارد أو فرص للنهوض”.
سياق عام للتحولات
ويأتي هذا النقاش في ظل ارتفاع ملحوظ في حركة تأسيس الشركات بعد التحولات السياسية التي شهدتها سوريا في أواخر 2024 وسقوط نظام الأسد، حيث ساهمت التسهيلات الحكومية الجديدة في دفع بيئة الاستثمار إلى النمو. ووفق بيانات مديرية الشركات في وزارة الاقتصاد، تم تسجيل نحو 5,768 شركة جديدة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، بزيادة تقارب 50% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024، حين بلغ عدد الشركات الجديدة حوالي 3,850.
اقرأ أيضاً:إلغاء تقييد إنشاء المنشآت الصناعية في سوريا.. جدل بين التنظيم والعشوائية وتسهيل الاستثمار