رفع “النشيد الإسرائيلي” في القنيطرة يشعل الغضب وصمت السلطات الانتقالية يثير التساؤلات
في مشهد أثار صدمة واستياءً واسعَين داخل سوريا وخارجها، بثّت وسائل إعلام إسرائيلية يوم أمس مشاهد تظهر جنودًا من قوات الاحتلال الإسرائيلي، من وحدة المظليين “تسكانيم”، وهم يرفعون العلم الإسرائيلي ويؤدون “النشيد الإسرائيلي” (“هتيكفا”، في ساحة العلم وسط مدينة القنيطرة في الجنوب السوري، والتي تُعدّ من أبرز رموز السيادة الوطنية منذ اتفاق فكّ الاشتباك عام 1974.
الواقعة، التي وُثّقت بالصوت والصورة، جاءت وسط صمت رسمي مطبق من قبل السلطات الانتقالية السورية، ما فتح الباب واسعًا أمام الاتهامات والتساؤلات حول طبيعة التفاهمات الأمنية الجارية في الجنوب السوري، والدور المتنامي لـ “إسرائيل” ضمن تلك المنطقة الحساسة من الجغرافيا السورية.
ردود فعل غاضبة:
الرئيس الأسبق للائتلاف السوري المعارض، أحمد معاذ الخطيب، علّق على الحدث عبر حسابه في منصة “إكس” قائلًا: “عندما يُباع جزء من بلادك، تُباع روحك معه. 30 أيلول 2025 يوم الذل الوطني .. تابعوا التهريج البليد..”
بدوره، تساءل الكاتب والباحث السياسي مالك حافظ عن خلفيات المشهد، ملمّحًا إلى أن ما جرى في القنيطرة قد يكون جزءًا من “اتفاق أمني غير معلن” أبرمته السلطة الانتقالية مع الجانب الإسرائيلي، مضيفًا: “هل قُدّمت القنيطرة ومعظم الجنوب السوري على طبق من تنازلات سياسية لإسرائيل، تحت مسمّى أمن لا يحمي سوى بقاء السلطة في الحكم؟”
أما الصحفي رضا الباشا، فقد وضع المشهد في سياق تاريخي، مستعيدًا رمزية ساحة العلم، التي شهدت عام 1974 رفع العلم السوري على يد الرئيس الراحل حافظ الأسد بعد اتفاق وقف إطلاق النار.
وأضاف: ظل اتفاق عام 1974 موضع جدل لعقود، إذ وُجهت اتهامات للنظام السوري السابق بأنه وقّع عليه متنازلاً فعليًا عن الجولان لصالح “إسرائيل”، وسط روايات متضاربة وحكايات متعددة نُسجت حول تفاصيله وكواليسه. واليوم، المفارقة أن كثيرًا ممن انتقدوا ذلك الاتفاق في السابق باتوا يرفعون الصوت مطالبين بالعودة إليه، مقارنةً بما يشهده الجنوب السوري من “اتفاق أمني مُذل”.
مشروع أوسع للنفوذ الإسرائيلي؟
تحذيرات عدة أطلقها مراقبون من أن ما جرى في القنيطرة لا يمكن عزله عن “مشروع أوسع” يهدف إلى تكريس “إسرائيل” كقوة إقليمية مباشرة داخل الجغرافيا السورية، بدءًا من الجولان، ومرورًا بريف دمشق، وصولًا إلى معبر نصيب الحدودي، وقمم جبل الشيخ غربًا.
ويُعتقد أن تفاهمات غير معلنة بين بعض أطراف السلطة الانتقالية و”تل أبيب”، ربما تتم بوساطة إقليمية، تضمن بقاء السيطرة الإسرائيلية على مناطق استراتيجية مقابل دعم أمني أو سياسي للسلطة.
السلطات الانتقالية: صمت لافت:
رغم تصاعد ردود الفعل الشعبية والإعلامية، فإن السلطة السورية الانتقالية لم تصدر أي بيان رسمي بشأن ما حدث. وبدت منشغلة بأولوياتها الداخلية، واكتفتبنشر فيديو يظهر رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وهو يمارس لعب البلياردو في قصره الجديد، وعلق أحد الناشطين قائلاً: “بينما يرفع جنود الاحتلال الإسرائيلي العلم في وسط القنيطرة ويرددون النشيد الوطني الاسرائيلي وتتجول دبابات الميركافا في ريف دمشق يمارس الشرع رئيس سلطة الامر الواقع لعب البلياردو في قصره الجديد… ثورة مباركة للجميع..”
جنوبٌ بلا سيادة؟
ما حدث في ساحة القنيطرة ليس مجرد حادث رمزي أو بروتوكولي، بل هو بحسب مراقبين “تجسيد فجّ لفقدان السيادة”، ويعيد إلى الواجهة سؤالًا ملحًا عن مستقبل الجنوب السوري، ومآلات مشروع السلطة الانتقالية في ظل صفقات غير شفافة، قد تُفرّط بأجزاء من الوطن مقابل ضمانات مرحلية للبقاء.
وفي حين ينتظر الشارع السوري إجابة رسمية عن أسباب رفع نشيد الاحتلال وسط مدينة سورية، يبقى الصمت هو الموقف الوحيد حتى الآن، في مشهد يعكس هشاشة الواقع السياسي، واتساع الهوة بين الناس والسلطة.
إقرأ أيضاً: الاتفاق الأمني بين دمشق وتل أبيب: هل بدأت سوريا تدخل مرحلة تقاسم أمني معلن؟