“مرايا” لا يزال مرآتنا.. إعادة تقييم لظاهرة ياسر العظمة الكوميدية بعد سنوات من الغياب
نقد ذاتي: هل نجح المسلسل في الحفاظ على بريقه الاجتماعي رغم تكرار القوالب؟
يظل اسم “مرايا” علامة فارقة في تاريخ الدراما العربية والسورية تحديدًا، فهو ليس مجرد مسلسل، بل مشروع كوميدي نقدي اجتماعي استمر لعقود، قاده الفنان الكبير ياسر العظمة.
ومع أن الإنتاجات السنوية توقفت لـ “مرايا” بنسخته الشهيرة، فإن تأثيره وذكرياته لا تزال حاضرة بقوة لدى الجمهور الذي اعتاد انتظار مرآته السنوية التي تعكس همومه ونقائصه بجرأة لاذعة.
النقد الذاتي والتحليل: بين العبقرية وفخ التكرار
لطالما كان “مرايا” مدرسة في الكوميديا السوداء، لكن كأي عمل يستمر لعقود، لا بد من وقفة نقدية لتقييم مسيرته:
العبقرية: سلاح النقد المباشر والساخر
“مرايا” تميز بقدرته الخارقة على تناول قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية حساسة دون خوف.
اعتمد المسلسل على “السكيتشات” (Sketches) القصيرة والمكثفة التي تضرب صميم المشكلة مباشرة.
- العمق الاجتماعي: نجح المسلسل في توثيق تغيرات المجتمع السوري والعربي على مدار ثلاثين عامًا.
من مشاكل التموين والبيروقراطية في بداياته، مروراً بظاهرة الفساد الإداري، وصولاً إلى جنون أسعار العقارات وتأثير التكنولوجيا.
- ثبات الأداء: قدم ياسر العظمة شخصيات متعددة ومتناقضة، من “الموظف المطحون” إلى “التاجر الجشع”، محافظًا على مستوى أداء عالٍ ومقنع بشكل استثنائي.
فخ التكرار ورتابة القوالب
مع استمرار المسلسل، وقع في مطبٍ نادراً ما تنجو منه الأعمال الطويلة: تكرار القوالب الكوميدية والاعتماد المفرط على نمط معين من النقد.
1- ضعف التنوع الدرامي: في بعض المواسم، بدأت الحبكات تصبح متوقعة، حيث يسهل التنبؤ بخاتمة “السكيتش” بمجرد عرضه.
2- فكثير من المشاهد اعتمد على صيغة “المواطن البريء ضد النظام أو الفاسد”، وهو نمط استهلك مع الوقت ولم يعد يدهش المشاهد كما في السابق.
3- غياب التجديد الفني: على الصعيد الإخراجي والتقني، ظل “مرايا” في بعض الأجزاء متمسكاً بالأسلوب الكلاسيكي في التصوير والإضاءة.
4- وهو ما جعله يبدو قديمًا مقارنة بالأعمال الدرامية المعاصرة التي تولي أهمية كبيرة للتقنيات البصرية الحديثة.
5- التضحية بالبناء الدرامي: أسلوب “السكيتش” هو نقطة قوة وضعف في آن واحد.
6- ففي حين أنه فعال لإيصال الرسالة، إلا أنه لا يسمح ببناء شخصيات مركبة أو قصص طويلة متعمقة.
7- مما يجعله في بعض الأحيان عملًا خفيفًا يفتقر إلى الثقل الدرامي المستمر
الخلاصة: مشروع خالد رغم الهفوات
إن “مرايا” ليس مجرد مسلسل، بل هو أرشيف بصري للمجتمع العربي.
صحيح أنه عانى في بعض مراحله من التكرار والنمطية، لكن قدرته على صنع الابتسامة الممزوجة بالمرارة وتحريك المياه الراكدة في القضايا الاجتماعية، تضعه في مصاف الأعمال الخالدة.
يبقى ياسر العظمة فنانًا استثنائيًا صنع ظاهرة لن تتكرر، وبقي “مرايا” الاسم الأقوى عندما نتحدث عن النقد الكوميدي الجريء.
إقرأ أيضاً: “يوميات مدير عام”: أيقونة الكوميديا الهادفة التي فككت البيروقراطية
إقرأ أيضاً:التغريبة الفلسطينية حين يصبح الفن مرآة للتاريخ.. مراجعة نقدية بناءة