اللحم “رفاهية” في إدلب: ارتفاع قياسي للأسعار يهدد الأمن الغذائي وسط أزمة جفاف وتصدير
تشهد محافظة إدلب وعموم مناطق شمال غربي سوريا أزمة اقتصادية حادة تتركز في الارتفاع الجنوني لـأسعار اللحوم الحمراء، لتصل إلى مستويات قياسية تفوق القدرة الشرائية للسكان وتجعل اللحم حلماً بعيد المنال للعديد من الأسر.
وصل سعر كيلو لحم الخروف إلى 530 ليرة تركية (ما يعادل 14 دولارًا أمريكيًا)، بينما بلغ سعر كيلو لحم الفطيمة 480 ليرة تركية (13 دولارًا أمريكيًا).
هذا الغلاء المستمر منذ سنوات أدى إلى انخفاض كبير في الإقبال على الشراء، وبات اللحم الأحمر رفاهية لا يقوى عليها المستهلك.
أسباب الأزمة: التصدير والجفاف وانهيار الليرة
يعود هذا الارتفاع المضاعف في الأسعار إلى تضافر عدة عوامل اقتصادية وبيئية:
انهيار الليرة التركية: تدهور سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار.
فتح باب التصدير: بدأت عمليات تصدير الأغنام إلى دول الخليج في 25 مارس الماضي عبر مرفأ طرطوس، وشملت الشحنات أكثر من 53 ألف رأس من ذكور أغنام العواس، ما قلل المعروض محلياً.
تضاعف التكاليف: الارتفاع الحاد في أسعار الأعلاف والأدوية البيطرية، وتناقص المراعي بسبب موجة الجفاف التي تعد الأسوأ منذ عقود.
غياب الرقابة: شكاوى من غياب الرقابة التموينية الحكومية في تحديد الأسعار.
بينما كان يُتوقع أن يؤدي الجفاف وندرة الأعلاف إلى دفع المربين لبيع مواشيهم وخفض الأسعار، إلا أن قرار التصدير رفع سعر الماشية بشكل مفاجئ.
الأهالي يلجؤون إلى البدائل والقصابون يعانون
لمواجهة الغلاء، يلجأ الأهالي في إدلب وريفها إلى خيارات أرخص بكثير:
- اللحوم المستوردة: شراء لحم الجاموس أو دهن الغنم المستورد من الهند، والذي يتراوح سعر الكيلو منه بين 250 و300 ليرة تركية.
- الطيور: الإقبال على شراء الدجاج (الفروج) بدلاً من اللحم الأحمر.
أكد محمد المحمود، وهو نازح من ريف إدلب، لـ “الترا سوريا”: “لم نشترِ اللحم منذ أشهر، نكتفي بكمية صغيرة جداً أو نستغني عنه تماماً، لأن السعر فوق طاقتنا”.
من جهتهم، يعاني القصابون من جمود حركة البيع وبقاء اللحم مدة طويلة في البرادات، مما يهدد جودته وسعره.
ويشير محمد حايك، صاحب محل قصابة، إلى أن “قلة الأغنام وتحكم أصحاب المسالخ المعتمدة” يزيد من المشكلة
المربون: أرباح جيدة.. لكن مستقبل القطيع مهدد
رغم أن فتح باب التصدير قد حقق مرابح جيدة للمربين، إلا أنهم يواجهون أزمة مضاعفة بسبب ارتفاع تكاليف الأعلاف والأدوية البيطرية.
محمد الفطومة، مربٍ من ريف إدلب، أوضح أن “كثير من المربين تركوا المهنة لعدم استطاعتهم تغطية مصاريف المواشي”.
وحذر من أن التصدير “سيؤثر على كمية الأغنام في سوريا القليلة أصلاً نتيجة الحرب”.
كما نبه المربي زهير المحمد إلى أن التصدير يفتح “باب الغلاء وحرمان الأهالي من تذوق اللحم”.
مشيراً إلى استغلال بعض القصابين بذبح مواشٍ مريضة، الأمر الذي يتطلب رقابة صارمة وغائبة حاليًا
دعوات حكومية للتدخل السريع
أكد وزير الزراعة، أمجد بدر، أن التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاعان الزراعي والحيواني، خاصة مع التغيرات المناخية وشح الأمطار، تتطلب “التدخل السريع والعمل كفريق واحد” للخروج من هذه الكارثة التي أضرت بمربي المواشي بشكل كبير.
في ظل استمرار الغلاء، ينتظر الأهالي إجراءات عملية تشمل ضبط السوق، دعم تربية المواشي، وتأمين الأدوية، قبل أن تتفاقم الأزمة وتؤثر على الأمن الغذائي بشكل أكبر في المنطقة
إقرأ أيضاً: تقرير حقوقي: 6993 مدنياً ضحية التدخل الروسي في سوريا خلال 10 سنوات
إقرأ أيضاً: روسيا تعيد تموضعها في سوريا بتنسيق مع تركيا وسط الضربات الإسرائيلية