ارتفاع تكاليف المعيشة يغيّر ملامح الأعراس ومراسم العزاء في سوريا

في ظل الأزمة الاقتصادية في سوريا وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، تشهد المناسبات الاجتماعية مثل حفلات الزفاف ومجالس العزاء تغيّرات جذرية في الطقوس والعادات المتعارف عليها، حيث باتت الكثير من العائلات السورية تختصر الاحتفالات والمراسم لتتناسب مع إمكانياتها المحدودة.

الأعراس السورية: من حفلات فاخرة إلى مناسبات متواضعة:

في العاصمة دمشق وريفها، لم تعد حفلات الزفاف تتم في صالات فاخرة أو بتكاليف كبيرة كما في السابق. بل أصبحت تُنظم في قاعات صغيرة أو حدائق المنازل، وسط تخلي العائلات عن الفرق الموسيقية والمظاهر المكلفة.

يقول فراس القباقيبي لموقع “العربي الجديد”، وهو من سكان دمشق، إن تكلفة قاعة الأفراح وحدها اليوم تعادل راتب سنة كاملة. هذا التغير أجبر عائلته على تقليص المدعوين والتخلي عن الديكور والتصوير الاحترافي.

وتُضيف هبة الطويل، عروس من ريف دمشق، أن حفل زفافها اقتصر على يوم واحد فقط دون موسيقى حية أو طقوس باهظة. وأكدت أن الزواج أصبح مجرد بداية حياة مشتركة وليس مناسبة لاستعراض المظاهر، في ظل الواقع المعيشي الصعب.

تراجع الإقبال على خدمات تنظيم الحفلات:

تؤكد سعاد جبري، صاحبة إحدى صالات الأفراح بدمشق، أن الطلب على القاعات الكبيرة تراجع بشدة. وتضيف أن معظم الزبائن يطلبون ديكورات بسيطة ويضطرون لاستئجار الكراسي والطاولات من الخارج لتقليل النفقات.

أما يارا طرابيشي، منظمة حفلات، فتوضح أن العائلات لم تعد تطلب تصويراً احترافياً أو موسيقى حية، بل تبحث عن “حلول اقتصادية”، حتى لو أثّرت على تجربة الفرح.

الحزن أيضاً تغيّر: مراسم العزاء في يوم واحد فقط:

لم يقتصر الأمر على الأعراس، بل طاول أيضاً مراسم العزاء التي كانت تستمر لعدة أيام، وتحولت اليوم إلى تجمع بسيط ليوم واحد فقط، غالباً دون ولائم أو ضيافة مكلفة.

يقول أبو كمال، الذي فقد والده مؤخراً، إن تقديم القهوة والبسكويت فقط أصبح أمراً شائعاً لتخفيف التكاليف. وفي حلب، باتت العائلات تقسّم الضيوف على فترات بسبب ضغط المصاريف.

تضيف أم سامر، التي أقامت عزاء زوجها، أن “الوفاء للميت لا يعني البذخ”، وتؤكد أن المهم هو التعبير الرمزي لا إقامة مراسم مكلفة تُرهق العائلة.

رأي الخبراء: الغلاء يعيد تشكيل الثقافة الاجتماعية:

تقول د. أمينة الحج، أستاذة علم الاجتماع بجامعة دمشق، إن الظروف المعيشية أجبرت السوريين على تبسيط طقوس الفرح والحزن، لكنها تحذّر من أن هذا التحول قد يخلق فجوة اجتماعية بين العائلات المقتدرة وتلك غير القادرة، مما يُضعف الروابط والتضامن الاجتماعي.

ووفق بيانات محلية، ارتفعت أجور قاعات الأفراح من 500 ألف ليرة إلى أكثر من 15 مليون ليرة (ما يعادل 1500 دولار)، بينما ارتفعت تكلفة وجبات الأعراس والعزاء إلى أرقام خيالية مقارنة بالسنوات الماضية.

“اقتصاد المناسبات” واقع مفروض على العائلات السورية:

في ظل استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، بدأت العائلات السورية تتكيّف مع ما يمكن تسميته بـ”اقتصاد المناسبات”، عبر اختصار حفلات الزفاف ومجالس العزاء، والاعتماد على الحلول الرقمية والدعوات الإلكترونية، مع الحفاظ على جوهر المناسبة دون التكاليف الباهظة.

لكن تبقى المخاوف قائمة من أن تفقد هذه المناسبات دورها الاجتماعي والروحي، وتتحول إلى عبء اقتصادي إضافي، ما لم يتم إيجاد حلول تعيد التوازن بين التقاليد والواقع المعيشي.

إقرأ أيضاً: راتب الشهر للأسبوع! أسرة سورية عاجزة عن اللحوم والفواكه وكلفة التقشف تلتهم مليونَي ليرة

إقرأ أيضاً: أسعار اللحوم الحمراء ترتفع مجدداً في سوريا وسط شكاوى من الغش وضعف الرقابة

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.