دمشق تحتضن مكتباً للإدارة الذاتية.. خطوة تحمل رسائل سياسية

شهدت العاصمة السورية دمشق، مطلع أيار/مايو الماضي، افتتاح مكتب جديد يتبع لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وذلك في حي أبو رمانة، أحد أبرز الأحياء الإدارية والسياسية في قلب العاصمة.

المكتب يشرف عليه الدكتور عبد الكريم عمر، المعروف بعمله الدبلوماسي الطويل ضمن الإدارة الذاتية، حيث شغل سابقاً منصب رئيس دائرة العلاقات الخارجية، ثم ممثل الإدارة الذاتية في أوروبا، قبل أن يتولى اليوم مهمة الممثل الرسمي لها في دمشق.

هذه الخطوة اعتُبرت تحولاً نوعياً في استراتيجية الإدارة الذاتية، إذ انتقلت من حصر حضورها السياسي والإداري في مناطق شرق الفرات إلى تثبيت وجود رسمي في قلب العاصمة السورية، بما يحمله ذلك من رمزية ودلالة سياسية تتجاوز البعد المحلي.

رمزية الوجود في العاصمة

افتتاح المكتب لم يُنظر إليه كإجراء إداري بحت، بل كمؤشر على رغبة الإدارة الذاتية في تأكيد حضورها كطرف سياسي لا يمكن تجاهله في أي معادلة تخص مستقبل سوريا. في المقابل، السماح بعمل مكتب كهذا في دمشق أثار تساؤلات حول طبيعة العلاقة غير المعلنة مع بعض مؤسسات الدولة، وما إذا كان الأمر يعكس حالة “تغاضٍ رسمي” أو بداية تفاهمات ضمنية، خصوصاً في ظل غياب أي اعتراض علني من الحكومة السورية.

مراقبون يرون أن هذه الخطوة تنقل الإدارة الذاتية من معركة السيطرة الجغرافية إلى ساحة الشرعية السياسية، عبر بناء هياكل مؤسساتية جديدة، مع محاولة فتح قنوات للتواصل مع الفاعلين السياسيين والمدنيين في العاصمة، وربما حتى مع أطراف رسمية، بما قد يساهم في إعادة صياغة العلاقة بين الطرفين بشكل تدريجي.

لقاء علني مع البعثة السويسرية

أول اختبار علني لهذا المكتب كان في 18 أيلول/سبتمبر 2025، عندما استضاف لقاءً جمع ممثل الإدارة الذاتية عبد الكريم عمر مع البعثة السويسرية في سوريا برئاسة ماريون ويشلت. اللقاء جرى داخل مقر الممثلية بدمشق، وشهد مشهداً غير مألوف تمثل برفع شعار الإدارة الذاتية إلى جانب العلم السوري.

خلال الاجتماع، جرى بحث آليات متابعة اتفاق 10 آذار/مارس 2025 الموقّع في دمشق بين الحكومة السورية المؤقتة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إضافة إلى مناقشة جدول أعمال البعثة السويسرية المتعلق بالوضع السوري، بما في ذلك الملفات الإنسانية والاقتصادية.

اللقاء لم يكن مجرد اجتماع بروتوكولي، بل اعتُبر لحظة فارقة في الحضور العلني للإدارة الذاتية ضمن العاصمة، بعد أشهر من نشاط ظل بعيداً عن الأضواء.

دلالات وتوقيت حساس

ظهور الإدارة الذاتية في دمشق بهذا الشكل، خاصة عبر لقاء مع بعثة دولية، يعكس مسعى واضحاً لترسيخ حضور مزدوج: محلياً عبر التمركز في العاصمة، ودولياً عبر الانفتاح على قنوات دبلوماسية رسمية.

التوقيت بدوره لم يكن معزولاً عن ظروف سياسية حساسة، أبرزها الجدل حول تأجيل الانتخابات البرلمانية في مناطق سيطرة “قسد” والسويداء، وما يرافقه من اتهامات متبادلة بين الأطراف حول التعطيل. ما يجعل هذه الخطوة رسالة موجهة للداخل والخارج على حد سواء: تثبيت الإدارة الذاتية كلاعب سياسي أمام المجتمع الدولي، والتأكيد في الوقت نفسه على استعدادها للانخراط في أي ترتيبات مستقبلية من موقع قوة.

بين الطموح والمخاطر

رغم ما تحمله هذه الخطوة من مكاسب محتملة، فإنها تبقى محفوفة بالمخاطر إذا لم تحظَ بغطاء دولي واضح، أو إذا قررت دمشق التعامل معها كإجراء ظرفي يمكن التراجع عنه في أي لحظة. لكن مجرد رفع رموز الإدارة الذاتية إلى جانب العلم السوري في العاصمة، يمثل سابقة سياسية تحمل دلالات يصعب تجاهلها، وقد تكون مقدمة لمرحلة جديدة في العلاقة بين الطرفين.

اقرأ أيضاً:تصريحات متضاربة;قسد تعلن الجاهزية للمفاوضات ودمشق تتهمها بالتعطيل

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.