الإعلان الحكومي والتبرير الرسمي:
في سوريا، يُطرح موضوع حذف الأصفار من الليرة كخيار محتمل لمواجهة التدهور الكبير في قيمة العملة بعد أكثر من عقد من الحرب والعقوبات والأزمات الاقتصادية. الحكومة تقدّم الفكرة على أنها وسيلة لتبسيط المعاملات المالية، تخفيف الأعباء المحاسبية، واستعادة “هيبة” الليرة أمام العملات الأجنبية، في ظل تضخّم الأرقام وصعوبة تداول فئات العملة الحالية في الحياة اليومية.
مبررات الحكومة: خطاب إصلاحي ورمزية سياسية:
الخطاب الرسمي يركّز على أن الخطوة لا تغيّر القيمة الحقيقية لليرة، وإنما تعيد هيكلتها شكليًا. فالمليون ليرة الحالية قد تتحول مثلًا إلى ألف ليرة جديدة، لكن القوة الشرائية تبقى كما هي. الحكومة تروّج للإجراء باعتباره بداية مرحلة جديدة من الإصلاح الاقتصادي، ورسالة عن رغبتها في السيطرة على التضخم، رغم أن الواقع يشير إلى أن العوامل العميقة للأزمة لا تُعالج بمجرد تغيير شكل العملة.
التأثير على السيولة النقدية:
إذا طُبق هذا الإجراء في سوريا، فإن حجم السيولة لن يتغير فعليًا، بل ستُختصر فقط الأصفار الكبيرة التي تثقل الحياة اليومية للمواطنين. قد يؤدي ذلك إلى سهولة أكبر في التداول النقدي وتقليل الحاجة إلى حمل كميات ضخمة من الأوراق، لكنه لن يوقف التضخم المستمر ولا يحدّ من ارتفاع الأسعار. أي أن الأثر هنا سيكون تنظيميًا وشكليًا أكثر منه اقتصاديًا جوهريًا.
ثقة المواطنين في الإجراء:
الثقة الشعبية بالليرة السورية وصلت إلى مستويات متدنية جدًا. فالمواطن، الذي عايش سقوط العملة المتكرر وتراجع قيمتها الشرائية بشكل دراماتيكي، بات يتعامل معها كوسيلة اضطرارية للتبادل فقط، بينما يفضل الادخار أو التعامل بالدولار أو حتى الذهب في ظل انعدام الاستقرار.
في هذا السياق، أي إعلان حكومي عن حذف الأصفار سيُواجَه بالتساؤل: هل هو حل فعلي أم مجرد محاولة لتجميل الواقع؟
هنا تبرز سياسات الفريق الاقتصادي بقيادة أحمد الشرع، والتي يصفها كثيرون بالغامضة وغير المعلنة بشكل شفاف. فبين وعود الإصلاح ومحاولات السيطرة على السوق، لا يرى المواطن أثرًا ملموسًا يوقف نزيف الليرة أو يخفف من وطأة الغلاء.
غياب الوضوح في السياسات الاقتصادية، إلى جانب الانحدار المستمر للعملة، يجعل المواطن يشكك تلقائيًا في أي إجراء من هذا النوع. بل إن بعض الأصوات ترى أن حذف الأصفار قد يتحول إلى إشارة جديدة على مرحلة “سقوط” اقتصادي إضافي، إذا لم يترافق مع إصلاحات حقيقية وسياسات واضحة تضع حدًا للتضخم والبطالة وتراجع الإنتاج.
التأثير على الوضع الاقتصادي:
حذف الأصفار في سوريا لن يعالج جذور الأزمة الاقتصادية، مثل العقوبات، انهيار البنية التحتية، عجز الموازنة، أو ضعف الإنتاج. لكن قد يكون له أثر نفسي محدود عبر محاولة تعزيز الثقة بالعملة، وربما يسهل على المستثمرين المحليين والأجانب التعامل بالأرقام الأصغر. ومع ذلك، فإن التجارب الدولية (مثل إيران أو زيمبابوي) تبيّن أن حذف الأصفار لا ينجح إلا إذا ترافق مع حزمة إصلاحات اقتصادية ومالية متينة.
تكاليف إصدار العملة الجديدة:
إصدار عملة جديدة في سوريا يعني تكاليف إضافية في وقت تعاني فيه الدولة من ضائقة مالية:
- طباعة أوراق نقدية جديدة وشحنها وتوزيعها.
- تعديل أنظمة المصارف والدوائر الرسمية.
- إعادة برمجة أجهزة الصراف الآلي.
- إطلاق حملات توعية لشرح آلية التعامل بالعملة الجديدة.
هذه التكاليف قد تضع عبئًا إضافيًا على الخزينة العامة، في ظل نقص الموارد وشح القطع الأجنبي.
البعد الرمزي: إزالة صورة الأسد ووالده:
من بين الأهداف التي تشير بعض المصادر إلى أنها وراء خطة حذف الأصفار وتبديل العملة، هو إعادة تصميم العملة نفسها بما يشمل إزالة صورة الرئيسين السابقين بشار الأسد و والده حافظ. هذا التغيير يحمل بعدًا رمزيًا مهمًا، إذ يعكس محاولة الحكومة تقديم “صورة جديدة” لليرة، وربما إرسال رسالة للمواطنين والمستثمرين بأن البلاد تدخل مرحلة جديدة، سواء اقتصاديًا أو سياسيًا.
لكن هذا البعد الرمزي يثير تساؤلات واسعة لدى السوريين: هل الهدف فعليًا اقتصادي بحت، أم أنه جزء من استراتيجيات سياسية لإعادة صياغة الرموز الوطنية؟ بعض المحللين يرون أن مثل هذه الخطوة، إذا لم تصاحبها إصلاحات ملموسة، ستبقى مجرد تغيير شكلي قد لا يؤثر على واقع التضخم أو القوة الشرائية للمواطن
قراءة ختامية:
بالنظر إلى الواقع السوري، فإن حذف الأصفار من الليرة قد يكون أقرب إلى خطوة رمزية أو تجميلية أكثر من كونه إصلاحًا جوهريًا. فهو لن يوقف تراجع القوة الشرائية ولا التضخم المتسارع. نجاح هذه الخطوة – إن اتخذتها الحكومة – يعتمد بالدرجة الأولى على قدرتها على تنفيذ إصلاحات اقتصادية حقيقية، وزيادة الإنتاج، وضبط السوق، وليس على تغيير الشكل الخارجي للعملة.
إقرأ أيضاً: الليرة السورية بين حذف الأصفار والفئات الأكبر
إقرأ أيضاً: ما معنى حذف الأصفار من العملة؟