مناف طلاس: العودة إلى المشهد السوري ورؤيته لمستقبل ما بعد الأسد
داما بوست -يوسف المصري
أبرز النقاط حول عودة مناف طلاس للمشهد السوري:
- توقيت الظهور الاستراتيجي: عودة مناف طلاس للواجهة في أواخر عام 2025 عبر محاضرة في باريس، تركز على دور عسكري-سياسي في سوريا الجديدة، مما يثير جدلاً حول دلالات هذا الظهور.
- الرؤية للمجلس العسكري: يقترح طلاس تشكيل “مجلس عسكري وطني” يوحّد جميع القوى المسلحة، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والفصائل الأخرى، تحت مظلة وطنية وعلمانية لحماية المرحلة الانتقالية.
- الالتزام بالحلول الدولية: يؤكد طلاس على أهمية الالتزام بقرار مجلس الأمن 2254 كخارطة طريق للمرحلة الانتقالية، ويدعو إلى بناء دولة مؤسساتية ديمقراطية لا تعتمد على التفرد بالسلطة.
مناف طلاس وتوقيت ظهوره:
عاد اسم العميد المنشق مناف طلاس إلى الواجهة السورية بقوة خلال عام 2025، لاسيما بعد محاضرة ألقاها في باريس في 13 سبتمبر 2025. هذه المحاضرة، التي نظمتها جهة أكاديمية فرنسية-لبنانية، تناولت الوضع السوري ورؤيته لمسار ما بعد سقوط نظام الأسد. توقيت هذا الظهور ليس عشوائيًا، بل يأتي في فترة حساسة تشهد فيها الساحة السورية تقلبات متسارعة، مما يجعل من طرح طلاس لمبادراته السابقة بشأن تشكيل مجلس عسكري وطني موحد للسلاح وإطلاق مرحلة انتقالية أمرًا ذا أهمية سياسية.
يعتبر هذا الظهور محاولة لإحياء خطاب مناف طلاس حول دور عسكري وسياسي محتمل في سوريا المستقبلية، خاصة مع تزايد الحديث عن الحاجة إلى أطر جامعة للقوى العسكرية والمدنية في ظل التغيرات الإقليمية والدولية.
الماضي العسكري والسياسي لمناف طلاس:
مناف طلاس، نجل وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس، ينتمي إلى عائلة لها تاريخ طويل وراسخ في المؤسسة العسكرية السورية. كان عميدًا في الحرس الجمهوري وقائدًا للواء 105، وهو أحد الألوية الأساسية. تربطه علاقة وثيقة بأسرة الأسد، حيث كان مقربًا من باسل الأسد وبشار الأسد منذ دراستهما في الكلية العسكرية.
شغل طلاس أيضًا عضوية اللجنة المركزية لحزب البعث في دورتين عامي 2000 و2005، مما يعكس انخراطه العميق في الهيكل السياسي للنظام السوري السابق قبل انشقاقه. في يوليو 2012، انشق طلاس عن النظام، معلنًا رفضه المشاركة في عمليات عسكرية في مناطق مثل دوما وحرستا. كان انشقاقه يمثل ضربة كبيرة للنظام نظرًا لمكانته العسكرية وصلاته القوية. بعد انشقاقه، انتقل إلى فرنسا، ومنذ ذلك الحين، يُنظر إليه كأحد أبرز وجوه المعارضة العسكرية السورية.
مواقفه تجاه نظام بشار الأسد والثورة السورية:
على الرغم من قربه من بشار الأسد قبل الثورة، إلا أن انشقاق مناف طلاس في عام 2012 كان بمثابة إعلان واضح لمعارضته للنظام. حمل طلاس النظام مسؤولية الأزمة السورية وانتقد بشدة زج الجيش في قمع المدنيين، مؤكدًا على ضرورة التزام المؤسسة العسكرية بالمبادئ الأخلاقية.
يرى طلاس أن الثورة السورية لم تكن تهدف إلى تغيير شخص، بل إلى بناء دولة ومؤسسات حقيقية. وقد عبّر عن هذه الرؤية في العديد من المحاضرات واللقاءات، مشددًا على ضرورة تجاوز حكم الفرد الواحد والعمل نحو نظام مؤسساتي شامل. يرفض طلاس أي طموحات شخصية للسلطة، مؤكدًا أن هدفه هو بناء دولة جديدة تضمن العدل والمشاركة للجميع، مع رفضه لأي شكل من أشكال التفرد بالسلطة أو الإقصاء.
رؤيته للمرحلة الانتقالية والسياسة بعد سقوط نظام الأسد:
تتمحور رؤية مناف طلاس للمرحلة الانتقالية في سوريا حول عدة نقاط أساسية تهدف إلى بناء دولة مؤسساتية مستقرة وعلمانية:
المجلس العسكري الوطني الموحد:
يدعو طلاس لتشكيل مجلس عسكري وطني يضم كل القوى المسلحة على الأرض، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وقوات السويداء والساحل. هذا المجلس يجب أن يكون تحت مظلة جامعة لتوحيد السلاح، بهدف بناء جيش وطني حقيقي يتبنى عقيدة علمانية وطنية وغير طائفية. يرى طلاس أن هذا الجيش سيكون حاميًا للمرحلة الانتقالية، وليس تابعًا لأي أيديولوجيا دينية أو طائفية.
يؤكد أن هذا المجلس يهدف إلى ضمان الأمن والعدل والاستقرار خلال هذه الفترة الحساسة. وقد أشار إلى تواصله مع حوالي 10 آلاف ضابط منشق، بمن فيهم ضباط من قسد وفصائل أخرى، لتشكيل هذا الكيان.
الجيش الوطني: علماني ومؤسساتي:
في رؤيته، يجب أن يكون الجيش الوطني مؤسساتيًا وعلمانيًا، يحمي وحدة البلاد ولا يخضع لسلطة دينية أو طائفية. يشدد طلاس على أن هذه المؤسسة العسكرية ستكون مسؤولة عن حماية عملية الانتقال السياسي، مع التأكيد على عدم انخراطها في المشاريع الأيديولوجية أو الطائفية.
الاستفادة من الخبرات السورية والالتزام بالقرار 2254:
يدعو طلاس إلى ضرورة الاستفادة من خبرات السوريين في الخارج، والالتزام بقرار مجلس الأمن 2254 كخارطة طريق للمرحلة الانتقالية. يعتبر هذا القرار أساسًا لعملية سياسية تشاركية تؤدي إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية تضمن وحدة سوريا وسيادتها.
بناء الدولة والمؤسسات:
يؤكد طلاس أن الهدف ليس فقط الوصول إلى الحكم، بل بناء دولة ومؤسسات وطنية حقيقية. يشدد على العدالة والدولة المؤسسية التي تشمل جميع المكونات السورية دون إقصاء أو تهميش. يحذر من خطر التفرد بالسلطة ويدعو إلى قيادة انتقالية تركز على “الدخول على الدولة وليس على السلطة”.

محاضرة باريس: المجلس العسكري وماهيته:
في محاضرته الباريسية التي أثارت جدلاً واسعًا، ركز مناف طلاس على فكرة “المجلس العسكري الوطني الموحد”. هذا المجلس، بحسب رؤيته، سيكون مظلة لكل الفصائل المسلحة في سوريا.
ماهية المجلس العسكري وشرعيته:
يعتبر طلاس المجلس العسكري كيانًا شرعيًا يجمع القوات المسلحة لتوحيد السلاح، مما يعني دمج المجموعات العسكرية المتنوعة تحت قيادة واحدة لضمان الاستقرار. يرى أن شرعية هذا المجلس تستند إلى الحاجة الملحة لكيان عسكري مؤسساتي يحمي الدولة والمرحلة الانتقالية، متوافقًا مع أهداف القرار الأممي 2254.
قابلية التطبيق وتوحيد السلاح:
تعتمد قابلية تطبيق هذا المجلس على مشاركة واسعة من مختلف القوى المسلحة. المقصود بـ”توحيد السلاح” هو دمج جميع التشكيلات العسكرية، من قوات سوريا الديمقراطية إلى الفصائل الأخرى، ضمن هيكل جيش وطني واحد. هذا الجيش يجب أن يكون علمانيًا، بعيدًا عن أي أيديولوجيات طائفية أو دينية، وأن يعمل كحامٍ للعملية السياسية وليس طرفًا فيها.
الجيش الوطني في رؤية طلاس:
يُرى الجيش الوطني كجهاز مؤسساتي محايد، مهمته الأساسية حماية الدولة والمواطنين، وليس الانخراط في الصراعات السياسية أو الأيديولوجية. إنه جيش لكل السوريين، يعمل على حفظ الأمن والاستقرار خلال المرحلة الانتقالية وما بعدها.

العلاقة بالمؤسسات المدنية والسلطة الانتقالية وقرار مجلس الأمن 2254
يطالب مناف طلاس بتعاون وثيق بين المجلس العسكري المقترح والسلطة المدنية الانتقالية. هذا التعاون يهدف إلى ضمان انتقال سلس وفعال، حيث يكون المجلس العسكري داعمًا للعملية السياسية المدنية، وملتزمًا بقرارات السلام الدولية، لا سيما قرار مجلس الأمن 2254.
قرار 2254 يدعو إلى عملية سياسية تفاوضية تؤدي إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية. طلاس يرى أن رؤيته للمجلس العسكري ليست متعارضة مع هذا القرار، بل هي مكملة له. فالمجلس العسكري سيكون مسؤولاً عن توفير الأمن والاستقرار اللازمين لنجاح العملية السياسية المدنية التي يقودها القرار 2254. يحذر طلاس من انفراد أي جهة بالسلطة، مؤكدًا على بناء دولة مؤسسات شاملة ومتعددة المكونات.
تظهر رؤية طلاس التكامل بين الجانب العسكري والمدني لضمان انتقال مستقر:

موقفه من التطبيع مع “إسرائيل”:
المعلومات المتاحة لا تقدم موقفًا صريحًا ومباشرًا لمناف طلاس من التطبيع مع إسرائيل. ومع ذلك، يمكن استخلاص موقفه العام من خلال تركيزه على بناء مؤسسات قوية. يرى طلاس أن بناء دولة ذات مؤسسات قوية مثل البرلمان والدستور والجيش الوطني القوي هو الأساس لأي قرار سيادي مستقبلي.
وفي سياق آخر، ذكر أن الوقت الحالي غير مناسب لطرح ملف التطبيع، وأن سوريا “ليست في موقع اتخاذ قرار سيادي في هذه المرحلة”. يربط طلاس أي خطوة في هذا الاتجاه بضرورة وجود مؤسسات قوية وشرعية تمثل إرادة الشعب السوري.
رسائل إلى أحمد الشرع ومدى القبول:
أبدى مناف طلاس تمنياته للنجاح للرئيس الانتقالي أحمد الشرع، لكنه أعرب عن قلقه من خطر التفرد بالسلطة، داعيًا الشرع إلى “الدخول على الدولة وليس على السلطة”. لم تتضح طبيعة الرسائل المعلنة أو غير المعلنة بشكل كامل، حيث تتضارب التقارير حول الاتصالات المباشرة بينهما.
أما مدى قبول الشرع لطلاس، فهو أمر غير مؤكد تمامًا. يرى بعض المحللين أن الشرع قد لا يرى في طلاس سوى “مشروع للثورة المضادة” نظرًا لخلفيته العائلية المرتبطة بالنظام السابق. في المقابل، تشير بعض المصادر إلى إمكانية التفاعل، خاصة وأن طلاس يدعو إلى التعاون مع أي سلطة انتقالية.
الحاضنة الشعبية والمعارضة:
تُشير المصادر إلى أن الحاضنة الشعبية لمناف طلاس في سوريا محدودة ومعقدة. فعلى الرغم من انشقاقه عن النظام، إلا أن تاريخ عائلته وارتباطه السابق بالنظام يثيران جدلاً. يجد طلاس دعمًا من بعض الضباط المنشقين وبعض فصائل الثورة التي تتوافق مع رؤيته لمجلس عسكري وطني.
في المقابل، يواجه طلاس معارضة شديدة من مؤيدي النظام الحالي بقيادة أحمد الشرع، وكذلك من بعض أطراف المعارضة التي تشكك في نواياه وتعتبره جزءًا من النظام القديم. البعض يصفه بأنه “غير مرغوب فيه” ولا يملك رصيدًا شعبيًا حقيقيًا في الداخل السوري، ويتهمه البعض الآخر بمحاولة التقويض بدعم خارجي.
دور فرنسا والدول الأخرى:
دور فرنسا:
استقبلت فرنسا مناف طلاس بعد انشقاقه واستضافت محاضراته في باريس، مما يشير إلى اهتمام فرنسي محتمل بدوره في مستقبل سوريا. تتعامل معه فرنسا باعتباره ضابطًا منشقًا ذا وزن سياسي وعسكري، وقد يكون لفرنسا مصلحة في دعم شخصيات يمكن أن تسهم في حل سياسي مستقر في سوريا.
موقف الرياض وتركيا والإمارات
الرياض: هناك تكهنات بأن الرياض قد ترى في طلاس أداة لتحقيق الاستقرار، خاصة في ظل اهتمامها السابق بالملف السوري، لكن لا توجد معلومات مؤكدة عن دور مباشر للرياض في دعمه مؤخرًا.
تركيا والإمارات: لم تظهر مواقف واضحة أو محددة لهاتين الدولتين تجاه مناف طلاس.
موقف “إسرائيل” والمخاطر الأمنية
لا توجد مؤشرات واضحة حول قبول أو رفض “إسرائيل” لمناف طلاس تحديدًا. ومع ذلك، فإن ظهور ضباط منشقين ينشئون مؤسسات عسكرية جديدة قد يرافقه مخاوف أمنية في المنطقة بشكل عام. ترى “إسرائيل” في مثل هذه التطورات مخاطر محتملة قد تؤثر على التوازن الإقليمي أو تخلق كيانات عسكرية غير خاضعة للسيطرة، مما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار على حدودها.
توضح الرسوم البيانية التالية مدى تباين المواقف تجاه أدوار مناف طلاس المقترحة من قبل الفاعلين الإقليميين والدوليين:

استقلاليته أو تبعيته للخارج:
يؤكد مناف طلاس على سعيه لأن يكون قائدًا ومستشارًا مستقلاً يسهم في بناء مؤسسة عسكرية وطنية مستقلة وغير تابعة لأي أجندة خارجية محددة. ومع ذلك، فإن وجوده في فرنسا، وبعض الاتهامات بوجود دعم خارجي لمحاضراته، تثير تساؤلات حول مدى استقلاليته. المصادر تلمح إلى سيناريوهات متعددة، بعضها يربطه بنفوذ خارجي محتمل، وبعضها الآخر يرى أن مخاطر التبعية قد تكون قائمة في أي عملية انتقالية معقدة كهذه.
موقف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأقليات من المجلس العسكري:
يدعو طلاس صراحة إلى ضم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والفصائل المختلفة إلى المجلس العسكري الوطني المنشود. يهدف ذلك إلى تقريب هذه الفصائل وتوحيدها ضمن جيش وطني واحد. وقد أشار إلى تواصله مع ضباط من قسد ومن مكونات أخرى (مثل العلويين والأكراد) ضمن شبكة المنشقين.
لم تعلن قوات سوريا الديمقراطية موقفًا رسميًا وواضحًا بشأن استعدادها للانضمام إلى هذا المجلس. تباينت ردود الأفعال حول دعوته لدمج قسد، حيث اعتبر البعض ذلك غير ممكن لوجود فروقات جوهرية في الأيديولوجيات والأهداف، بينما رأى آخرون في دعوته فرصة للحوار والتقارب. بالنسبة للأقليات، فإن طلاس يسعى لإشراكهم وضمان تمثيلهم في أي هيكل مستقبلي، لكن مواقفهم المباشرة وتوقعاتهم من هذا المجلس لم تتضح بشكل كامل.
الخلاصة:
يمثل ظهور مناف طلاس الأخير في المشهد السوري محاولة لإعادة طرح رؤية متكاملة لمستقبل سوريا بعد سقوط النظام. بوصفه ضابطًا منشقًا من خلفية عسكرية وسياسية قوية، يركز طلاس على إنشاء “مجلس عسكري وطني” يضم جميع القوى المسلحة ويوحد السلاح تحت مظلة علمانية وطنية. يهدف هذا المجلس، بالتعاون مع سلطة مدنية انتقالية، إلى حماية العملية الانتقالية والالتزام بقرار مجلس الأمن 2254، مع التركيز على بناء دولة مؤسساتية شاملة. على الرغم من التحديات المتعلقة بقبوله الشعبي واستقلاليته، فإن رؤيته تقدم نموذجًا يجمع بين الخبرة العسكرية والرؤية السياسية لحل الأزمة السورية، مستفيدًا من الاهتمام الفرنسي بدوره المحتمل. تبقى مواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين، بما في ذلك إسرائيل وقسد، محورًا رئيسيًا في مدى نجاح هذه الرؤية.
إقرأ أيضاً: صالح الحموي يهاجم الحكومة السورية الجديدة: مجموعة أغبياء وفشلة
إقرأ أيضاً: مناف طلاس من باريس: نرفض الفيدرالية ونراهن على جيش وطني بعقيدة علمانية