شمال سوريا: الزيتون المقطوع يفاقم النزوح ويهدد لقمة العيش

تعرّض ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي خلال الحرب السورية لاقتلاع وقطع مئات آلاف الأشجار المثمرة، وعلى رأسها الزيتون، ما انعكس بشكل مباشر على المزارعين وأدى إلى موجة نزوح واسعة من القرى والبلدات نحو المخيمات.

يشكّل الزيتون العمود الفقري للاقتصاد الريفي في هذه المناطق، ومصدر الدخل الرئيس لعشرات آلاف الأسر. وبحسب تقديرات محلية، فإن ما يقارب 90% من سكان ريف إدلب الجنوبي كانوا يعتمدون على هذا القطاع في معيشتهم، إذ كانت الحقول تنتج آلاف الأطنان من الزيت عالي الجودة سنوياً، ويُصدَّر جزء منها إلى الخارج. لكن اقتلاع الأشجار غيّر المشهد، وحوّل مساحات خضراء شاسعة إلى أراضٍ قاحلة، ما أسفر عن انهيار اقتصادي واجتماعي عميق.

يقول المزارع الحاج محمد الصالح من بلدة حاس في إدلب: “كنت أملك خمسة آلاف شجرة زيتون، أؤمّن منها دخل عائلتي وأدّخر لشراء أراضٍ جديدة. اليوم لم يتبقَ سوى أرض جرداء، وما تبقى من أشجاري لا يكفي لتغطية احتياجاتنا اليومية”. ويقدّر مزارعون وتجار أراضٍ أن عدد المتضررين من هذه الظاهرة يتراوح بين نصف مليون ومليون نسمة.

أثر بيئي طويل الأمد

لم تتوقف التداعيات عند الجانب الاقتصادي، بل امتدت إلى البيئة أيضاً. إذ يشير المهندس الزراعي مضر عبد الحميد إلى أن “اقتلاع أشجار الزيتون واللوزيات أحدث خللاً كبيراً في التوازن البيئي. التربة فقدت خصوبتها، وزادت احتمالات التصحر في المنطقة”.

إعادة زراعة هذه الأشجار ليست بالأمر السهل، فأشجار الزيتون التقليدية تحتاج نحو 25 عاماً لتصل إلى إنتاجيتها الكاملة، ما يجعل إعادة التشجير عبئاً ثقيلاً في ظل نقص الموارد المائية وغياب الدعم المالي. ويصف المزارع أحمد الخالد واقع الحال بالقول: “أشجار الزيتون زرعها أجدادنا وكانت مصدر رزقنا الوحيد. الآن لم يتبقَ منها إلا جذوع مقطوعة، خسرنا دخلنا وجزءاً من تاريخنا”.

محاولات للتكيّف

ورغم قتامة المشهد، يحاول بعض المزارعين التكيف عبر اللجوء إلى بدائل مثل زراعة الزيتون القزم. ويوضح محمد سمير، صاحب مشتل في إدلب، أن الطلب على هذه الأشجار ارتفع بنسبة 60% في السنوات الأخيرة، لكونها تبدأ بالإنتاج خلال عامين فقط وتحتاج لمساحات أقل، غير أن تكلفتها المرتفعة تجعلها بعيدة عن متناول كثيرين.

في المقابل، يواجه مشروع إعادة التشجير عقبات عديدة، تشمل ارتفاع أسعار الغراس، شحّ المياه، إضافة إلى وجود الألغام المزروعة في الأراضي الزراعية. ويشير تاجر الأراضي محمود الشيخ إلى أن “المزارعين بحاجة إلى برامج دعم دولية توفر الغراس مجاناً أو بأسعار رمزية، إلى جانب قروض ميسرة وإزالة الألغام وتأهيل مصادر المياه”.

حلول مقترحة

من بين المقترحات المطروحة لمواجهة الأزمة إنشاء مشاتل محلية لتأمين الغراس بأسعار منخفضة، وإطلاق حملات لإعادة تأهيل الأراضي الزراعية. غير أن خبراء يشددون على أن هذه التدابير تحتاج إلى استثمارات طويلة الأمد وتنسيق بين منظمات محلية ودولية، لضمان استعادة جزء من الغطاء النباتي وحماية ما تبقى من البيئة الريفية في شمال سوريا.

اقرأ أيضاً:شمال سوريا: الزيتون المقطوع يفاقم النزوح ويهدد لقمة العيش
حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.