العلاقة السعودية السورية: استثمارات معلنة ونفوذ مؤجل في ظل واقع اقتصادي مأزوم
تشهد العلاقات السعودية السورية تحولات تدريجية منذ فترة، يتخللها إعلان متواصل عن مشاريع إغاثية واستثمارية سعودية في سوريا، بعضها بمليارات الدولارات، بحسب وسائل الإعلام. لكن ورغم هذه الإعلانات، لم يلمس المواطن السوري أي تحسن جوهري في الوضع الاقتصادي الذي لا يزال يرزح تحت ضغوط خانقة تدفع كثيرين لمواصلة اللجوء إلى دول الجوار.
التحول في السياسة السعودية: من المساعدات المجانية إلى النفوذ المدفوع:
ضمن رؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان 2030، طرأ تغير جوهري على النهج السعودي التقليدي في إدارة العلاقات الخارجية، حيث تحوّلت الرياض من سياسة المساعدات المباشرة إلى شراء النفوذ عبر الاستثمار.
مثال ذلك واضح في:
1- مصر التي تراجع فيها الدعم المالي بشكل كبير.
2- الولايات المتحدة التي شهدت ارتفاعاً ضخماً في الاستثمارات السعودية، بلغ أكثر من تريليون دولار.
وبناء على هذا النمط، فإن المشاريع السعودية المعلنة في سوريا، مثل إعادة إعمار دمشق وبناء أبراج استثمارية، إما أنها ليست مجانية، أو أنها غير حقيقية فعلاً. فالواقع يشير إلى أن المملكة تواجه صعوبات في تنفيذ مشاريعها الكبرى داخل أراضيها نفسها، وعلى رأسها مشروع “ذا لاين” في نيوم، الذي تقلّصت طموحاته من إيواء 1.5 مليون نسمة إلى 300 ألف فقط.
سوريا: المساعدات السعودية ما زالت في حدود الإغاثة فقط
حتى اليوم، لم يحصل السوريون سوى على مساعدات غذائية وطبية محدودة من السعودية، دون ترجمة فعلية للمشاريع الاستثمارية المعلنة، ما يجعل التحركات السعودية أقرب للدعاية السياسية منها إلى مشاريع اقتصادية حقيقية.
حذر سياسي سعودي رغم التعاون الاقتصادي
تُبقي السعودية تعاملها الرسمي مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في الإطار الإغاثي والاقتصادي، دون إعلان سياسي واضح. ويُفهم من هذا الحذر أن الرياض:
1- لا تزال تقيّم توازن القوى في سوريا.
2- تحاول التمييز عن الإمارات وقطر وتركيا، التي رسخت نفوذها إما بالقوة أو عبر المال.
ورغم أن السعودية تسعى لفرض نفوذ سياسي موازٍ في سوريا، إلا أن علاقتها مع الشرع ما زالت غير مستقرة، خصوصاً أن الأخير يحمل ماضياً قد لا يتماشى مع معايير الانفتاح السعودي، رغم محاولات تقديمه كـ”رجل دولة عصري”.
اعتقالات في السعودية تُثير تساؤلات حول مدى الجدية:
كشف المجلس الوطني للإنقاذ السعودي المعارض عن اعتقال سعوديين عادوا من سوريا بعد تلقيهم وعوداً بالعفو من جهاز أمن الدولة. ومن بين من شجعهم على العودة الداعية عبد الله المحيسني، المقيم في سوريا، والمقرب من الشرع.
الحادثة تُظهر التناقض بين الخطاب السياسي والواقع الأمني في السعودية، كما تطرح أسئلة عن مدى قبول المملكة بالتعامل مع شرائح إسلامية كانت سابقاً منخرطة في الصراع السوري، رغم قربها حالياً من السلطة الجديدة في دمشق.
النفوذ السعودي في سوريا: بين الأهداف الإقليمية والمنافسة المحتدمة:
تشير التحركات السعودية في سوريا إلى محاولة إعادة تموضع إقليمي، خصوصاً بعد الاجتماع الثلاثي الذي ضم ابن سلمان ودونالد ترامب وأحمد الشرع، والذي وضع ملف تطبيع العلاقات السورية مع “إسرائيل” على الطاولة.
لكن هذا المشروع يواجه تحديات، أبرزها:
1- الطموحات الإسرائيلية التي لا تكتفي بالتطبيع، بل تطلب ترتيبات أمنية معقدة لا يبدو أن دمشق مستعدة لتقديمها.
2- تحالفات الشرع مع تركيا وقطر، التي لا تتماشى مع الأهداف السعودية.
3- التعقيدات الداخلية في سوريا، من اعتداءات إسرائيلية إلى صراعات فصائلية ومطالب انفصالية.
حتى الآن: استثمارات بلا ترجمة ومكاسب سياسية غائبة:
رغم كثافة التصريحات عن المشاريع الاقتصادية والمساعدات، لا تزال السعودية عاجزة عن تحويل حضورها في سوريا إلى نفوذ سياسي حقيقي. بل إن الملفات الثنائية مع لبنان، مثل ترسيم الحدود أو ملف المعتقلين، لم تشهد أي تقدّم بوساطة سعودية، رغم أهميتها الاستراتيجية.
خلاصة المشهد: بين الشكوك في النوايا وتعقيدات الواقع:
في ظل التنافس الإقليمي المحتدم، يبدو أن:
1- المشروع السعودي في سوريا لا يزال في مراحله التجريبية.
2- النجاحات الفعلية على الأرض غائبة حتى اللحظة.
3- الاستثمارات السعودية قد تبقى ورقية دون ترجمة ملموسة إذا لم يتحقق الاستقرار السياسي وتحالف المصالح.
ومع تعدد القوى المؤثرة في الملف السوري، تبقى الاستراتيجية السعودية بحاجة إلى مراجعة، لضمان عدم تكرار إخفاقاتها السابقة في مصر ولبنان، إذا أرادت فعلاً ترسيخ نفوذها في سوريا.
إقرأ أيضاً: سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة
إقرأ أيضاً: السعودية تدشّن حزمة مشاريع خدمية وإنسانية في سوريا