سوريا ما بعد الأسد… “نيويورك تايمز” تكشف استمرار علامات الاستبداد

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً مفصلًا يثير تساؤلات حول طبيعة الحكم في سوريا بعد مرور أشهر على سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024 وتولي أحمد الشرع السلطة.

ورغم الوعود بإجراء إصلاحات شاملة، تشير العديد من المؤشرات إلى أن البلاد لا تزال تعاني من إرث الاستبداد، ما يثير قلقا بشأن مسارها المستقبلي.

مؤشرات على استمرار الحكم الفردي

وفقا للتقرير، أعلنت الحكومة السورية الجديدة عن خطط لإعادة هيكلة أجهزة الأمن والسجون التي كانت تُعد العمود الفقري لدولة القمع في عهد الأسد، بهدف تحقيق معايير إنسانية أفضل. ورغم هذا الإعلان، يرى محللون أن السلطة لا تزال مركزة بشكل كبير في يد الرئيس الجديد أحمد الشرع ودائرته الضيقة من المقربين، بما في ذلك إخوته.

منى يعقوبيان من “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”، أشارت للصحيفة إلى أن “البنية الرئاسية القوية لا تزال مهيمنة كما كانت في عهد الأسد، مع مقاومة لفكرة اللامركزية ومشاركة المجتمعات المختلفة في الحكم”، وهو ما يهدد بزيادة فجوة الثقة مع الأقليات الدينية والعرقية، في بلد يتميز بتنوعه.

إصلاحات شكلية وغياب الشمولية

كشف التقرير “نيويورك تايمز” أن الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها هذا الشهر، والتي كانت تُعتبر خطوة نحو الديمقراطية، أثارت جدلاً واسعا. فثلث مقاعد المجلس سيُعين مباشرة من قبل الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، في حين ستختار الحكومة بقية الممثلين عبر هيئات انتخابية محلية. كما أن استبعاد ثلاث محافظات رئيسية (الحسكة، الرقة، والسويداء) من الانتخابات، دفع الأكراد إلى اعتبارها “إعادة إنتاج للسياسات الإقصائية”.

هذا النقص في الشمولية أدى إلى انعدام ثقة الأقليات، مثل المسيحيين والعلويين والدروز والأكراد، في الحكومة الجديدة، وهو ما يُعد التحدي الأكبر أمام توحيد البلاد.
ديمة موسى، المحامية والناشطة المعارضة السابقة، عبرت عن قلقها قائلة: “ما يثير قلقي الأكبر هو غياب الشمولية والانفتاح على أصحاب الانتماءات السياسية المختلفة”.

تصاعد العنف الطائفي واستمرار التحديات

شهدت الأشهر الستة الماضية ثلاث موجات من العنف الطائفي، شاركت فيها قوات حكومية أو مؤيدون لها، ما قوّض أولوية الحكومة المعلنة في ترسيخ الأمن والاستقرار.
ففي يوليو، قتل المئات في محافظة السويداء الجنوبية إثر اشتباكات بين قبائل بدوية والأقلية الدرزية، حيث أكدت منظمات حقوقية أن قوات مرتبطة بالحكومة نفذت عمليات قتل خارج نطاق القانون.

وحذر المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، أمام “مجلس الأمن” من أن “البلاد لا تزال شديدة الهشاشة، والمرحلة الانتقالية تقف على حافة الخطر”. وأضاف: “السوريون بحاجة إلى أن يشعروا بأن هذه المرحلة ليست مجرد ترتيبات عشوائية، بل مسار واضح وشامل يقوم على الشمولية والشفافية”.

سيطرة “هيئة تحرير الشام” على مفاصل الدولة

يُشير التقرير إلى أن حكومة الشرع تضم وزراء من ذوي الخبرة وآخرين من الأقليات، لكن شخصيات رئيسية من “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا)، التي كانت مرتبطة بتنظيم “القاعدة”، لا تزال تهيمن على الوزارات السيادية.

فوزير الداخلية، أنس خطاب، كان يشرف سابقا على الأمن الداخلي لـ”هيئة تحرير الشام”، واليوم أوكلت إليه مهمة إعادة بناء أجهزة الأمن والشرطة.

أما وزير الخارجية، أسعد الشيباني، وهو رفيق مقرب من الشرع، فيتجاوز دوره الدبلوماسي ليصبح بمثابة رئيس وزراء فعلي، مما يعزز السيطرة المباشرة للهيئة على الحكومة وفقاً للصحيفة.

مديرة السياسات في منظمة “إيتانا سوريا”،لارا نيلسون، أكدت أن “ما شهدناه لا يتعدى إشراكاً رمزيا لبعض الوزراء الشكليين الذين لم يمنحوا أي صلاحيات حقيقية. فما زالت (هيئة تحرير الشام) تمسك بمفاصل القوة الرئيسية داخل الحكومة”.

 

اقرأ أيضاً:بين التصوف والوهابية: الجدل السني يتصاعد في سوريا ما بعد الأسد

اقرأ أيضاً:صلاحيات ماهر الشرع تثير تساؤلات دستورية.. ومخاوف من تغييب دور مجلس الوزراء

اقرأ أيضاً:من وراء الستار: هل أسعد الشيباني هو الحاكم الفعلي لسوريا؟

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.