سوريا: أزمة معيشية تفوق إمكانيات الدولة والمساعدات الدولية
تتجاوز احتياجات السوريين اليوم قدرة الدولة والمساعدات الإنسانية المحدودة، بعدما تحولت المساعدات الغذائية والنقدية إلى وسيلة بقاء أساسية لمئات آلاف العائلات، في ظل ارتفاع الأسعار والبطالة وتقلص الموارد والدعم الدولي.
وجوه من المعاناة اليومية
في ريف دمشق، تقف فاطمة العزيز (45 عاماً) مع أطفالها الثلاثة أمام جمعية خيرية بانتظار سلّة غذائية. تقول لـ”العربي الجديد”: “المساعدات لا تكفي لكنها تساعدنا على الصمود. زوجي مريض وأنا أبحث عن عمل ولو في تنظيف المنازل، لكن لا فرص. لا نملك براداً لحفظ الطعام، وحتى مع وجوده يبقى انقطاع الكهرباء عائقاً. نعيش على القليل ونحسب كل لقمة”.
وفي حلب، يعيش بسام عبد المنعم (53 عاماً) مع أسرته في منزل نصفه مهدّم، يغطي سقفه بقطع قماش وبلاستيك. يحصل على دعم نقدي بسيط بالكاد يغطي الخبز والدواء، ويقول: “كل يوم أجد نفسي أمام السؤال ذاته: هل أشتري الدواء لزوجتي أم الخبز لأولادي؟” مضيفاً أن الحرّ الشديد وشحّ المياه جعل حتى شراء الثلج لحفظ الطعام رفاهية.
أما في أحد مخيمات إدلب، فتجلس أم خالد (37 عاماً) مع أطفالها في خيمة مهترئة. تروي : “نستيقظ فجراً لانتظار صهريج المياه الذي قد يأتي مرة كل ثلاثة أيام. أطفالي يمرضون من قلة النظافة وشدة الحر، ولا كهرباء لتشغيل مروحة أو تبريد. حتى الاستحمام صار صعباً”، معتبرة أن الصيف أصعب من الشتاء في ظل انعدام المياه والظل.
أرقام صادمة
وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تؤكد أن الأزمة أكبر من قدرات الدولة. ويقول معاون الوزير بهجت حجار: “أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، ونحو مليون ونصف المليون نازح داخلي ما زالوا في المخيمات، معظمها بالشمال، إضافة إلى مناطق أخرى. لدينا 10 ملايين مواطن بحاجة ماسة للمساعدات، لكن حجم الاحتياجات يتجاوز إمكانياتنا”، داعياً المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته.
ويضيف حجار أن الحكومة تعمل على الانتقال من مرحلة الاستجابة الطارئة إلى مشاريع تنموية تركز على فرص العمل، ودعم التعليم والصحة والطاقة، إلى جانب إعادة الإعمار، غير أن العبء لا يزال يفوق الموارد.
اقتصاد منهك
من جهته، يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، زياد عربش، أن الوضع الحالي هو نتاج تراكم أزمات متواصلة، بدءاً من تراجع الإنتاج الزراعي والصناعي، إلى انهيار قيمة الليرة السورية وارتفاع التضخم. ويشير إلى أن البطالة تجاوزت 50% في بعض المناطق، مع اعتماد واسع على الاقتصاد غير الرسمي.
ويحذّر عربش من أن غياب السياسات الاقتصادية الداعمة للأسر الفقيرة وضعف البنية التحتية في الكهرباء والمياه والنقل، جعل ملايين السوريين أكثر هشاشة. ويقول: “المساعدات تبقي الناس أحياء لكنها لا تخلق فرص عمل. أي خطة إنسانية يجب أن تقترن ببرامج تنموية لاستعادة القدرة على الإنتاج والاكتفاء الذاتي”.
تراجع الدعم الدولي
على مدى السنوات الأربع الماضية، تراجعت مساهمات المانحين الدوليين، مع تقليص المساعدات التقليدية وتزايد الضغوط الاقتصادية عالمياً. ويرى حجار أن الاعتماد المفرط على السلال الغذائية والدعم المباشر خلق اتكالية لدى بعض الفئات، مؤكداً أن السوريين بحاجة إلى مشاريع إنتاجية صغيرة ومتوسطة تعيد تدوير عجلة الاقتصاد.
وبحسب برنامج الأغذية العالمي لعام 2024، يعاني نحو 12.9 مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 3.1 ملايين في حالة حادة، فيما وصلت معدلات سوء التغذية لدى الأمهات والأطفال إلى مستويات طوارئ.
جهود محدودة
ورغم الصعوبات، تقول وزارة الشؤون الاجتماعية إنها أوصلت مساعدات محدودة إلى مناطق مثل السويداء بالتعاون مع الهلال الأحمر وبعض المنظمات الدولية. ويختم حجار بالقول: “المرحلة المقبلة تتطلب شراكة حقيقية بين الدولة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني، حتى لا تبقى المساعدات مجرد حلول مؤقتة، بل تتحول إلى أدوات للتنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني”.
وتواصل منظمات مثل برنامج الأغذية العالمي، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، اليونيسف، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والهلال الأحمر العربي السوري، تقديم مساعدات أساسية داخل سوريا وخارجها. لكن هذه الجهود، وفق مراقبين، تبقى محدودة أمام حجم الأزمة الإنسانية المتفاقمة.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة