سوريا بين واشنطن وطهران وموسكو: مقاربة الدمج الأميركية
تتجه السياسة الأميركية في سوريا نحو تقليص التدخل المباشر، مع الحفاظ على “حد أدنى من الاستقرار” عبر دعم حكومة دمشق، واستخدام أدوات اقتصادية ودبلوماسية للضغط على إيران وروسيا. ويرى مراقبون أن هذه المقاربة تمثل مزيجاً براغماتياً أكثر من كونها استراتيجية شاملة، إذ تقوم على فكرة دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تدريجياً في مؤسسات الدولة السورية، بما يحقق هدفين: منع عودة تنظيم “داعش”، وموازنة النفوذ الإيراني – الروسي داخل البلاد.
مكافحة الإرهاب
منذ عام 2014 استغلت لواشنطن، تمدد “داعش” في سوريا والعراق. لتأسس التحالف الدولي بقيادتها، معتمداً على الضربات الجوية ودعم “قسد”. لكن هذا الخيار اصطدم بتحفظات تركية، إذ تعتبر أنقرة “قسد” امتداداً لحزب العمال الكردستاني.
ومع تراجع الوجود العسكري الأميركي، بدأت الإدارة الحالية بإعادة تعريف دور “قسد” كجزء من الدولة السورية، مع منحها مستوى من الحكم الذاتي في شمال وشرق البلاد. ويعكس تقليص القواعد الأميركية من ثماني قواعد إلى ثلاث، والإبقاء على أقل من ألف جندي، هذا التحول نحو دور أمني – سياسي أكثر منه عسكري مباشر.
غير أن هذه المقاربة تواجه تحديات، أبرزها رفض بعض المكونات الكردية الخضوع لدمشق، ومخاوف المجتمعات العربية من توسع نفوذ “قسد”، إضافة إلى تعقيدات العلاقة بين دمشق وأنقرة.
تهدئة التوترات
يرى الباحث في مركز جسور للدراسات محمد سليمان، أن واشنطن تسعى إلى فتح قنوات تعاون مع دمشق، خصوصاً في ملف الأمن الحدودي مع “إسرائيل”، بما قد يقود لاحقاً إلى تفاهمات أوسع. ويضيف أن الضغط الأميركي يطال أيضاً “قسد” في الشمال الشرقي، وكذلك بعض الفصائل المسلحة في السويداء، بهدف دفعها نحو الانخراط في عملية الانتقال السياسي، عبر خطوات تشمل حل التشكيلات العسكرية، إعلان دستوري، حكومة انتقالية، وانتخابات برلمانية.
مواجهة إيران وروسيا
تدرك الولايات المتحدة أن نفوذ طهران وموسكو يرتكز على تحالفهما مع مؤسسات الدولة السورية. لذلك تعمل على قلب المعادلة عبر تشجيع دمشق على استيعاب “قسد”، بما يقلل من اعتمادها على الجهات المقربة او تربطها علاقة مع إيران أو الحماية الروسية.
ويشير رئيس المجلس السوري الأميركي فاروق بلال، إلى أن سياسة إدارة ترامب في الشرق الأوسط ترتكز على “إنهاء الحروب والانسحاب”، مع تركيز خاص على سوريا باعتبارها محور استقرار إقليمي. ويضيف أن واشنطن ترى في تعزيز مؤسسات الدولة السورية وسيلة لإضعاف النفوذ الإيراني والروسي.
تجاه إيران
بعد تراجع نفوذها عقب سقوط نظام الأسد، تحاول طهران الحفاظ على حضورها عبر فصائل محلية في دير الزور ومحيط دمشق، إضافة إلى استخدام الأراضي السورية ممراً لدعم حزب الله. وترى واشنطن أن دمج “قسد” في الدولة يساهم في تقليص حاجة دمشق لهذه الالجهات، ما يضعف نفوذ إيران على المدى الطويل.
تجاه روسيا
رغم تجنبها المواجهة المباشرة مع موسكو، تنظر واشنطن إلى الوجود الروسي في سوريا في سياق الصراع الأوسع مع الغرب. ومع انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية، تقلصت قدرتها على التأثير شرقاً، فيما تراهن الولايات المتحدة على أن توسيع قاعدة دمشق السياسية لتشمل “قسد” سيقلل من ارتهانها لموسكو.
ويقول محمد سليمان إن إدارة ترامب تسعى للتعاون مع روسيا ضمن مقاربة مشتركة لتحقيق الاستقرار، مع الاستفادة من علاقاتها الجيدة مع أنقرة لدعم مسار التسوية السورية.
تحولات في الدور الأميركي
عملياً، ينقل هذا التحول الدور الأميركي من لاعب ميداني مباشر إلى مهندس للتوازنات داخل سوريا، مستخدماً أوراق الضغط الاقتصادية والدبلوماسية، و”قسد” كأداة مرحلية لإعادة تموضع الدولة السورية بعيداً عن النفوذ الإيراني – الروسي الكامل.
اقرأ أيضاً:قسد تعرض على الروس ملء الفراغ الأمريكي في دير الزور