“أي مصالحة؟ أي غفران؟”: الغارديان تكشف عن تحديات بناء سوريا الجديدة

بعد سقوط النظام، تقف البلاد على مفترق طرق حرج. فبينما يطمح البعض إلى بناء دولة جديدة، يخشى آخرون من إعادة إنتاج دوامة الانتقام والصراع الطائفي، هذا هو المشهد الذي رصدته صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير مطول بعنوان “أي مصالحة؟ أي غفران؟”، الذي تناولته الصحيفة عبر قصص واقعية تكشف عن عمق الأزمة.

التقرير سلّط الضوء على الألم الهائل الذي يعيشه المجتمع السوري، حيث تبدو الدعوات إلى المصالحة بعيدة عن الواقع الملموس. فالألم الفردي الذي سببه الصراع، من اعتقال وتعذيب وتهجير، لا يترجم بالضرورة إلى رغبة جماعية في الصفح. بل على العكس، تتأرجح المشاعر بين الرغبة في السلام وشعور بالخذلان بسبب غياب العدالة.

صرخات الماضي تفرض كلمتها

يبرز التقرير كيف أن خطاب الانتقام بدأ يسيطر على المشهد، خاصة مع وجود قصص إنسانية مؤلمة. على سبيل المثال، قصة “منير”، المعتقل السابق الذي خرج من السجن فاقدا الثقة بأي حديث عن التسامح، في ظل مشاهد الفوضى وصعود خطاب الثأر.

وعلى الجانب الآخر، توضح قصة ناجية من مذبحة الحولة أنها رغم رغبتها في إنهاء دائرة العنف، فإن هذا الشعور لا يمثل بالضرورة رأيا جماعيا، بل هو صراع داخلي يعكس عمق الجرح.

أشارت الغارديان أيضا إلى أن الحكومة الانتقالية، التي ظهرت بهوية سنية مهيمنة، أثارت مخاوف الأقليات مثل العلويين والمسيحيين والدروز. فقد تم إقصاء الكثير من العلويين من مؤسسات الدولة، مما رسّخ شعورًا بالاستبعاد بدلًا من بناء شراكة وطنية حقيقية.

غياب العدالة يعيد إنتاج العنف

أكد التقرير أن خطاب الرئيس المؤقت أحمد الشرع حول “العفو الشامل” وطي صفحة الماضي لم يجد صدى في الشارع. فالملايين من النازحين وأهالي الضحايا والمفقودين لا يرون في تلك الكلمات ما يطمئنهم، خاصة في ظل استمرار الفوضى والقتال.

السبب الأساسي لهذه الأزمة هو غياب أي رؤية حقيقية للعدالة الانتقالية. على عكس دول أخرى مثل جنوب أفريقيا ورواندا، لا تمتلك سوريا أطرا قضائية أو لجان مصالحة لمعالجة جرائم الماضي.

وهذا الغياب يجعل الثأر هو البديل العملي للمصالحة. وبحسب الغارديان، فإن أي عملية سياسية لن تنجح ما لم تترافق مع آليات جدية للمحاسبة والاعتراف بالجرائم، من جميع الأطراف.

فبناء دولة جديدة على ركام دولة سابقة دون مواجهة الماضي قد يؤدي إلى صراعات جديدة ومستمرة.

هل يمكن بناء عقد اجتماعي جديد؟

في الختام، يوضح التقرير أن مستقبل سوريا محصور بين خيارين: إما بناء عقد اجتماعي جديد قائم على العدالة والمشاركة، أو الانزلاق نحو حلقة جديدة من العنف. الغفران الحقيقي لا يمكن أن يفرض بالقوة، والمصالحة لا تتحقق بالخطب فقط، بل تتطلب مواجهة شجاعة للماضي، والاعتراف بالضحايا، وبناء مؤسسات تحمي الجميع دون تمييز.

إذا، تقف سوريا اليوم أمام تحدي علاج جروحها العميقة. فهل ستتمكن من تجاوز آلامها وبناء مستقبل مختلف، أم ستظل أسيرة الماضي ودائرة الانتقام؟

 

اقرأ أيضاً:صحيفة فرنسية: صراع الفستق يعيق مصالحة العلويين والسنّة في قرية سورية

اقرأ أيضاً:خطف النساء في الساحل السوري: فدية، تهديد وطائفية في فراغ أمني

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.