قطاع النسيج في سوريا يواجه الانهيار: ضغط الاستيراد وتراجع الإنتاج المحلي

الصناعة النسيجية السورية تختنق بين الاستيراد الرخيص وتكاليف الإنتاج المرتفعة:

في سوق الصالحية بدمشق، يلخص خالد الحلاق، وهو صاحب ورشة خياطة منذ أكثر من ثلاثين عامًا، الأزمة المتفاقمة في قطاع النسيج السوري بقوله: “القميص التركي أرخص من القماش المحلي”. هذه العبارة تكشف عمق التحديات التي تواجه الصناعة السورية في ظل غياب الدعم الكافي، وارتفاع التكاليف، وتدفق المنتجات التركية والصينية إلى الأسواق المحلية بأسعار لا يمكن مجاراتها.

فجوة تجارية متزايدة مع تركيا والصين:

تشير البيانات التركية الرسمية إلى أن الصادرات التركية إلى سوريا ارتفعت بنسبة 54% خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، لتصل إلى 2.2 مليار دولار، مقابل واردات سورية لا تتجاوز 437 مليون دولار. وتكشف هذه الأرقام عن عجز تجاري كبير، تتجلى نتائجه في تراجع حصة المنتج المحلي في الأسواق السورية.

الصناعيون يطالبون بالحماية وليس الإغلاق:

الصناعيون السوريون، من دمشق إلى حلب، لا يطالبون بإغلاق الحدود، بل بـ”حماية عادلة للمنتج المحلي”. يقول الصناعي الحلبي محمود الشهابي لـ “العربي الجديد”: “لا يمكنني بيع القميص بـ15 ألف ليرة بينما المستورد يباع بـ7 آلاف”.

الصناعي الدمشقي هاني العمري يقول إن الجودة السورية ما زالت قادرة على المنافسة في الأسواق الخارجية مثل العراق ولبنان، لكن القيود والرسوم تعيق الوصول إليها، في حين تدخل البضائع التركية بسهولة وبلا عوائق تقريباً. ويضيف: “إذا فُتحت أمامنا أبواب التصدير، يمكن للصناعة السورية أن تستعيد عافيتها”.

انهيار سلسلة التوريد: القطن السوري يختفي:

كان القطن السوري، المعروف بـ”الذهب الأبيض”، من الأعمدة الأساسية لقطاع النسيج. لكنه تراجع إلى 88 ألف طن فقط في عام 2024، في حين تحتاج الصناعة إلى ما لا يقل عن 250 ألف طن سنويًا. هذا النقص دفع المعامل للاعتماد على الأقمشة والخيوط المستوردة، ما أضعف التكامل الصناعي المحلي وزاد من التكاليف.

أزمة الطاقة ترفع تكلفة الإنتاج السوري:

مع ارتفاع أسعار الكهرباء في سوريا إلى نحو 27 سنتًا للكيلوواط (مقارنة بـ12 سنتًا في تركيا و3 سنتات في مصر)، أصبحت تكلفة الإنتاج المحلي غير قادرة على منافسة البضائع المستوردة، حتى قبل احتساب الضرائب أو الجمارك.

التهريب يزيد الطين بلّة:

إلى جانب المنافسة من الاستيراد الرسمي، تواجه الصناعة السورية خطر التهريب المنظم عبر المعابر غير الرسمية، حيث تدخل الملابس التركية والصينية بأسعار منخفضة دون دفع ضرائب أو رسوم. وهذا ما يجعل المنتج المهرب يُباع بنصف سعر المنتج المحلي تقريبًا، بحسب أصحاب الورش.

أكثر من 70 ألف عامل فقدوا وظائفهم:

تقديرات غير رسمية من غرف الصناعة في حلب ودمشق تشير إلى أن نحو 40% من الورش الصغيرة توقفت عن العمل في السنوات الأخيرة، مع فقدان أكثر من 70 ألف وظيفة في هذا القطاع الحيوي منذ عام 2011. ويقول محمود الشهابي: “قبل عشر سنوات كان لدي 140 عاملاً، اليوم لم يبقَ سوى 10 فقط”.

مطالب صناعية عاجلة لإنقاذ القطاع:

أبرز مطالب الصناعيين تشمل:

1- إعفاء مستلزمات الإنتاج من الضرائب والرسوم

2- تقديم قروض تشغيلية ميسرة

3- دعم استيراد الآلات الحديثة

4- فتح أسواق تصديرية في أوروبا
5- تسهيل التأشيرات لرجال الأعمال السوريين

6- إقامة معارض دائمة في دمشق وحلب

جهود حكومية خجولة لمواكبة الأزمة:

وفق تصريحات عبد الجبار زيدان، مدير الصناعة في حلب، تم منح أكثر من 1100 إعفاء صناعي لنقل المعامل إلى المدن الصناعية مثل الباب والراعي. ومع ذلك، يؤكد خبراء اقتصاديون أن الإعفاءات وحدها لا تكفي، إذ أن الحل يتطلب إستراتيجية وطنية لإحياء زراعة القطن، وخفض تكاليف الطاقة، وتحقيق بيئة عادلة للمنافسة.

النسيج السوري عند مفترق طرق:

اليوم، يواجه قطاع النسيج في سوريا خطر التحول من صناعة تصديرية رائدة إلى تجارة استيراد استهلاكية. ويُجمع الخبراء على أن غياب السياسات الصناعية الفعّالة، وتراجع سلاسل التوريد، وارتفاع تكاليف الإنتاج، عوامل تهدد الاقتصاد الوطني ككل، وليس فقط هذا القطاع.

يقول الاقتصادي حسن العبد الله. “الحل يبدأ بإحياء زراعة القطن، دعم المصانع، وفرض قواعد منافسة عادلة تحفظ للمنتج المحلي مكانته”، يؤكد العبد الله: “إذا تُركت الصناعة السورية لمصيرها، فسيتحول الاقتصاد تدريجياً إلى اقتصاد استهلاكي يعتمد على الاستيراد والتهريب، مما يفاقم العجز التجاري ويضعف قدرة البلاد على التعافي”.

 

إقرأ أيضاً: الصناعة السورية تحت ضغط المنتجات المهربة: نداء حلب لإنقاذ معاملها

إقرأ أيضاً: احتجاجات في حلب: أصحاب ورشات الأحذية يطالبون بحماية الصناعة المحلية من البضائع الصينية

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.