“إسرائيل الكبرى” والجنوب السوري: بوابة لإعادة رسم الخرائط
مع تصاعد الخطاب التوسعي في “إسرائيل”، عاد الحديث عن فكرة “إسرائيل الكبرى” لتتصدر المشهد، ليس فقط كحلم تاريخي، بل كأداة سياسية حاضرة في خطاب قادة الاحتلال، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. مؤخراً، أثارت صورة جندي إسرائيلي يحمل شارة تُظهر خريطة تمتد من النيل إلى الفرات جدلاً واسعاً، إذ تشمل أجزاءً من مصر ولبنان وسوريا والعراق والسعودية وكامل الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة.
تطرقت صحيفة المدن في تقرير لها إلى أهمية الجنوب السوري الاستراتيجية في ظل الحديث المتجدد عن ‘إسرائيل الكبرى’، مستعرضة السياسات “الإسرائيلية” في المنطقة والفراغات الأمنية التي قد تستغلها تل أبيب لتعزيز نفوذها.
سياسات الاحتلال والتوسع
يرتبط خطاب نتنياهو بتصورات أمنية وتوسعية تتجاوز حدود الاحتلال الرسمية لإسرائيل، إذ يرى في السيطرة على الأراضي المجاورة ضرورة للبقاء القومي، مع الاعتماد على القوة العسكرية ودعم وكلاء محليين في مناطق الصراع. ويشير محللون إلى أن هذا التوجه يهدف إلى تفكيك قدرة الخصوم على تشكيل قوة معارضة، عسكرياً وسياسياً، مع التركيز على إعادة تشكيل الخرائط الاستراتيجية والهندسة السكانية.
تتجلى هذه السياسات في تحركات الاحتلال على الأرض، من عسكرة الجولان ودعم فصائل في جنوب سوريا، إلى تدخلات محدودة في غزة، في نهج تدريجي لتوسيع النفوذ دون الدخول في حرب شاملة. ومع ضعف الرد العربي الرسمي، تستمر هذه السياسات في التوسع تدريجياً، مستفيدة من الفوضى الإقليمية لإعادة رسم خرائط النفوذ.
الجنوب السوري كبوابة استراتيجية
منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، أصبح الجنوب السوري منطقة حساسة في الحسابات الإسرائيلية. إذ اعتمد الاحتلال سياسة “الحدود المرنة” عبر دعم فصائل محلية في ريف القنيطرة، تحت ذريعة مساعدات إنسانية، لكن هذا الدعم شمل أيضاً تنسيقاً أمنياً محدوداً، ما عزز قدرة الاحتلال على رصد الوضع الميداني واستغلال الفراغ الأمني لتعزيز نفوذه في المنطقة.
وتبرز مناطق درعا والقنيطرة والسويداء كأجزاء استراتيجية في الحسابات الإسرائيلية، حيث يمكن تحويل الفوضى المحلية إلى أدوات ضغط وسيطرة، بما يتوافق مع تصور “إسرائيل الكبرى”.
الأردن والممرات الإنسانية
تلعب الأردن دوراً مزدوجاً كفاعل إنساني واستراتيجي، إذ تتحول الممرات الإنسانية العابرة لجنوب سوريا إلى أدوات نفوذ للاحتلال الإسرائيلي، وتمكنه من تمديد السيطرة بشكل غير مباشر، مع الحفاظ على غطاء إنساني وسياسي.
التوسع التدريجي تحت غطاء الأمن
هجمات أكتوبر 2023 أظهرت نقاط ضعف في منظومة الأمن الإسرائيلي، لكنها عززت مبررات الاحتلال للتوسع خارج حدود 1967، بما يشمل جنوب لبنان، ومحيط غزة، وجنوب سوريا. ويُظهر هذا النهج اعتماد الاحتلال على استغلال الفراغات الإقليمية وتحويل الأزمات الإنسانية إلى أدوات نفوذ، مع بناء قاعدة سياسية داخلية تدعم التوسع تحت شعار الأمن القومي.
في المجمل، يظهر الجنوب السوري اليوم كبوابة استراتيجية في سياسات الاحتلال الإسرائيلي، حيث يُنظر إليه كمنطقة عازلة وفرصة لإعادة رسم خرائط السيطرة في المنطقة الشمالية لإسرائيل ضمن إطار “إسرائيل الكبرى”.
اقرأ أيضاً:دمشق بلا ماء: بين مناخ متحوّل واحتلال اسرائيلي لأعماق الأرض