ارتفاع الأسعار في سوريا يلتهم زيادة الرواتب ويُبقي الأزمة المعيشية قائمة
في وقت انتظر فيه المواطنون السوريون أن تُحدث زيادة الرواتب بنسبة 200% تحسّناً ملموساً في واقعهم الاقتصادي، جاء الواقع مغايراً تماماً، إذ سجلت الأسواق المحلية ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار السلع الأساسية، تراوح بين 15% و40%، ما قلّل بشكل كبير من أثر هذه الزيادة وعمّق الأزمة المعيشية بدلاً من تخفيفها.
ارتفاع الأسعار يسبق صرف الرواتب
بحسب جولات ميدانية لموقع “الحل نت” في أسواق دمشق وريفها، ارتفعت أسعار الزيت النباتي من 17 ألف إلى أكثر من 22 ألف ليرة سورية، وسجّل سعر كيلو السكر ارتفاعاً من 7500 إلى 9000 ليرة. كما شملت الزيادات الأرز، والمنظفات، والخضار؛ حيث قفز سعر كيلو البندورة من 4 آلاف إلى 6 آلاف ليرة، والخيار من 6 إلى 10 آلاف ليرة.
مواطنون: الزيادة “وهم”… والأسعار سبقت الراتب
يؤكد العديد من المواطنين أن زيادة الرواتب في سوريا لم تُحدث أي فرق حقيقي في معيشتهم. يقول رامي، وهو موظف حكومي: “الزيادة ما ريّحتني أبداً، الأسعار ارتفعت قبل ما نستلم الراتب، يعني فعلياً ما استفدت شي”.
ويرى سامر، رب أسرة، أن الزيادة كانت مجرد إجراء شكلي، إذ قال: “أُكلت قبل أن تدخل الجيوب، مثلها مثل أي زيادة سابقة… الأسعار تضاعفت، والحكومة لا تراقب”.
القطاع الخاص خارج المعادلة والأسعار تصعد للجميع
في الوقت الذي شملت فيه الزيادة موظفي القطاع العام فقط، بقي العاملون في القطاع الخاص والمتعاقدون خارج هذه الزيادة، لكن ارتفاع الأسعار طال الجميع. تقول نور عبد الكريم، معلمة متعاقدة: “راتبي ما زال 450 ألف ليرة… الأسعار ارتفعت كتير صار تفرق معنا يعني بدل ما جيب كيلو بندورة للبيت صرت جيب بالحبة واقتصدت بالمواد الغذائية لتكفينا لراس الشهر.”
أزمة النقل والإنترنت تعمق الأعباء
لم تقتصر تأثيرات ارتفاع الأسعار على الغذاء فقط، بل امتدت إلى الخدمات الأساسية مثل النقل. حيث اضطر سائقو الأجرة إلى رفع التعرفة لتعويض ارتفاع التكاليف. يقول حسام، سائق تاكسي: “ما خصني بالرواتب الحكومية، بس ارتفاع الأسعار خرب كل شي… رفعت الأجرة غصباً”.
تكيف سلبي وغياب الرقابة التموينية
مع ارتفاع الأسعار وتآكل الرواتب، تلجأ الكثير من الأسر السورية إلى التقنين الحاد في الاستهلاك. تقول هالة، ربة منزل: “ما عاد نقدر نخزن مثل قبل، نشتري حسب الحاجة اليومية، والتجار يستغلوا أي فرصة لرفع الأسعار”.
في هذا السياق، أشارت جمعية حماية المستهلك في سوريا إلى أن التحول نحو اقتصاد السوق الحر، دون وجود ضوابط، أدى إلى فوضى في الأسعار. وقال عبد الرزاق حبزة، أمين سر الجمعية، إن الرقابة التموينية أصبحت شكلية، ولا تتدخل في تسعير السلع أو منع الاحتكار.
تدهور اقتصادي ونسبة فقر تتجاوز 90%
تأتي هذه التطورات الاقتصادية الصعبة في وقت يعاني فيه السوريون من تداعيات الحرب والعقوبات الاقتصادية، حيث تجاوزت نسبة الفقر 90%، بحسب تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو). وأشار التقرير إلى أن أكثر من 14 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 1.3 مليون في أوضاع حرجة.
من جانبه، قال وزير الاقتصاد والصناعة السوري محمد نضال الشعار إن نحو 60% من السوريين عاطلون عن العمل، في ظل انعدام الحلول الاقتصادية الجذرية وغياب خطط تنموية واضحة.
زيادة الرواتب… رقم لا يُترجم إلى واقع
في النهاية، تبقى زيادة الرواتب في سوريا مجرد رقم لا يعكس تحسناً في القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل غياب رقابة فعالة واستمرار التضخم وارتفاع الأسعار. ومع قرب بدء العام الدراسي وزيادة التكاليف المرتبطة بالتعليم والصحة، يخشى الكثير من السوريين أن تتحول الزيادة إلى مجرد حبر على ورق، دون أي تأثير حقيقي على الواقع المعيشي المنهك.
إقرأ أيضاً: موجة حر وأجور نقل بالعملة الأجنبية تُشعل أسعار السلع في دمشق
إقرأ أيضاً: سعر الدولار في سوريا يتجاوز 11 ألف ليرة.. مخاوف من موجة غلاء جديدة