الإخوان المسلمون في سوريا: من الغياب القسري إلى احتمالات العودة (الجزء الثالث)

داما بوست -أسعد موسى

منذ أحداث حماة عام 1982، تلاشى الوجود الفاعل لجماعة الإخوان المسلمين في الداخل السوري. فقد قُتل الآلاف منهم، وزُجّ المئات في السجون، واضطر عدد كبير إلى الهروب نحو دول الخليج وأوروبا. هناك، في المنفى، واصلوا نشاطهم السياسي والتنظيمي، لكن بعيدًا عن أرضهم. أما من بقي في الداخل، فانحصر حضوره في شخصيات قليلة، إما غير فاعلة ولا تمتلك أدوات التأثير أبقت ارتباطها سرّياً تحت وطأة الخوف الأمني، أو من تخلى عن انتمائهم للجماعة خشية الاعتقال.

إقرأ أيضاً: الإخوان في سوريا 2025: هل هو تموضع سياسي أم محاولة للفرار من المسؤولية؟

فجوة المنفى والداخل: أربعة عقود من الانقطاع

لا شك أن الحياة في المنفى، الممتدة من عام 1982 حتى سقوط نظام بشار الأسد أواخر 2024، خلقت فجوة فكرية وتنظيمية بين الإخوان في الخارج ومن بقي في الداخل. أربعة عقود كفيلة بإعادة تشكيل الرؤى والأولويات، حيث تطورت لدى الخارج خبرة سياسية في التعاطي مع أنظمة مختلفة ومجتمعات حرة نسبيًا، بينما ظل الداخل رهينة الرقابة الأمنية. هذا الانقطاع الزمني والمكاني جعل إعادة دمج الطرفين في مشهد سياسي موحد، مهمة معقدة، بل ومحفوفة بالتحديات.

إلى اليوم، لا يوجد أي قياس دقيق أو اختبار فعلي يكشف حجم القاعدة الشعبية للإخوان داخل سوريا. غياب الانتخابات الحرة والعلنية طوال عقود، والتغييرات الديموغرافية والاجتماعية التي أحدثتها الحرب، تجعل من المستحيل وضع تقدير موثوق لتأثيرهم الشعبي. إلا أن الممارسات والانتهاكات التي شهدتها البلاد منذ أحداث الساحل في 6 من آذار بحق العلويين وما تلاها من انتهاكات بحق الدروز، فتحت باب النقاش حول احتمالية زيادة تقبل بعض شرائح المجتمع لفكرة عودة الإخوان، ليس فقط لدى السنة الأكثر محافظة، بل حتى لدى بعض السنية المعتدلة، وباقي الطوائف الاخرى التي قد ترى في الجماعة قوة قادرة على تعديل المسار الذي تمضي فيه السلطة السورية الحالية بقيادة هيئة تحرير الشام ذات التوجه السلفي المتشدد.

حساسية السلطة الانتقالية تجاه الإخوان

يدرك رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، حجم الخطر الذي قد تمثله الجماعة على موقعه السياسي إذا ما تمكنت من استثمار حضورها التاريخي وتنظيمها العابر للحدود. وبحسب معلومات خاصة حصلت عليها “الداما بوست”، فإن الشرع رفض ثلاث مرات طلبات رسمية للاجتماع مع الإخوان، ما عكس موقفًا واضحًا باستبعادهم من أي حوار سياسي رسمي في المرحلة الراهنة. وبالفعل، لم تحظ الجماعة بأي مناصب أو فرص مشاركة في مؤسسات الحكم أو الإدارة بعد سقوط النظام، وهو ما يوضح حدود نفوذها في اللحظة الحالية.

علاقات معقدة مع هيئة تحرير الشام

طوال سنوات الحرب، لم تكن العلاقة بين الإخوان وهيئة تحرير الشام علاقة تعاون أو تنسيق، بل اتسمت بالتنافر السياسي والاصطدام الميداني. فقد خاضت فصائل عسكرية مقربة من الإخوان معارك دموية مع الهيئة، كان آخرها في 17 أكتوبر 2024، أي قبل أسابيع من سقوط النظام. وعلى المستوى السياسي، اصطدمت مواقف الهيئة مع القوى المحسوبة على الجماعة في أكثر من محطة، أبرزها مسار أستانا الذي عارضته الهيئة بشكل صريح. هذا التنافر يعكس التباين الأيديولوجي بين الطرفين، رغم انتمائهما إلى الطيف الإسلامي السياسي، حيث يحمل الإخوان رؤية سياسية أكثر مرونة براغماتية مقارنة بالطرح السلفي الجهادي للهيئة.

إقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في سوريا يصدرون بياناً شاملاً: رؤية للمرحلة الجديدة بعد التحرير

المعضلة التركية–القطرية

أحد أبرز عناصر التعقيد في المشهد الحالي هو أن الشرع يحظى بدعم تركي–قطري لافت، وهو نفس الدعم، بل وربما أقوى، الذي تتلقاه الجماعة تاريخيًا من أنقرة والدوحة، اللتين تمثلان الركيزة الأساسية لحضور الإخوان المسلمين في العالم الإسلامي. هذا التداخل في دوائر الدعم يطرح سؤالاً محوريًا: هل تسعى تركيا وقطر إلى تمهيد الطريق لعودة الجماعة كقوة فاعلة وربما كحاكم فعلي بديل في المستقبل؟ أم أن المقاربة الجديدة تقوم على جعل الإخوان الذراع السياسية للرئيس الشرع، بحيث يدمج بين سلطته الانتقالية وقاعدتهم التنظيمية في مشروع سياسي واحد؟

الإجابة عن هذا السؤال تتوقف على عدة عوامل، منها مدى استعداد الشرع لتقاسم النفوذ مع قوة تنظيمية ذات حضور إقليمي، ومدى قدرة الإخوان على إعادة بناء شبكاتهم في الداخل السوري دون إثارة مخاوف المكونات الأخرى، إضافة إلى موقعهم في معادلة الدعم الدولي والإقليمي.

مستقبل الإخوان في سوريا: فرص وتحديات

رغم أن المشهد الحالي لا يمنح الإخوان دورًا مباشرًا في الحكم أو الإدارة، فإن خبرتهم التنظيمية الطويلة، وارتباطهم بشبكات دعم إقليمية، يمنحهم فرصة لإعادة التموضع السياسي. التحدي الأكبر أمامهم يتمثل في ثلاثة محاور أساسية:

  1. استعادة الثقة الشعبية: بعد عقود من الغياب القسري، ربما تسعى الجماعة إلى إعادة تعريف نفسها للسوريين، خصوصًا للأجيال التي لم تتعرف عليها إلا من خلال الروايات الرسمية أو الإعلام الخارجي.
  2. التكيف مع التوازنات الجديدة: سوريا اليوم ليست سوريا ما قبل 2011، والخريطة السياسية والعسكرية والاجتماعية تغيرت جذريًا. التكيف مع هذه الحقائق شرط أساسي للبقاء.
  3. إدارة العلاقة مع القوى الإسلامية الأخرى: الصراع أو التعاون مع هيئة تحرير الشام، ومع القوى السلفية أو المستقلة، سيحدد قدرة الإخوان على لعب دور جامع أو سيؤدي إلى عزلهم مجددًا.

الإخوان المسلمون في سوريا يقفون اليوم أمام مفترق طرق تاريخي. بعد أربعة عقود من المنفى والانقطاع عن الداخل، يجدون أنفسهم أمام واقع سياسي جديد تشكل بعد سقوط نظام الأسد. التحديات كثيرة: فجوة الداخل والخارج، علاقات متوترة مع قوى إسلامية أخرى، وقيادة انتقالية لا تبدي استعدادًا لفتح أبواب المشاركة. لكن في المقابل، الفرص قائمة إذا ما استطاعوا إعادة بناء قاعدتهم الشعبية، وتقديم أنفسهم كقوة سياسية براغماتية قادرة على التكيف مع التوازنات الإقليمية والدولية.

يبقى السؤال الأهم: هل ستسمح الظروف المحلية والإقليمية بعودة الجماعة إلى المشهد كفاعل رئيسي، أم ستظل مجرد قوة مؤجلة تنتظر لحظة مواتية قد لا تأتي قريبًا؟

 

إقرأ أيضاً: بيان الإخوان المسلمين في سوريا بعد سقوط النظام: تحوّل في الخطاب أم مناورة سياسية؟ (الجزء الأول)

إقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في سوريا: من الحضور الشعبي إلى العمل في المنفى (الجزء الثاني)

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.