الليرة السورية بين حذف الأصفار والفئات الأكبر
يتصاعد الجدل في الأوساط الاقتصادية السورية حول أنسب الطرق لمواجهة التضخم النقدي، وسط طرح مقاربتين أساسيتين: حذف الأصفار من العملة، أو إصدار فئات نقدية أكبر. ورغم أن الأمر يبدو تقنيًا، إلا أن أبعاده الاقتصادية والنفسية والسياسية تجعله أكثر تعقيدًا.
إصدار فئات أكبر
يعتبر كبير المستشارين الاقتصاديين لدى مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا، الدكتور كرم شعار، أن إصدار فئات نقدية أكبر أكثر عملية من حذف الأصفار، إذ يحقق معظم الفوائد المرجوة من الحذف، ويخفف مشكلات التخزين والحمل والعد في ظل تضخم متسارع.
ويضيف أن البعد النفسي مهم أيضًا، فبعض الدعوات لحذف الأصفار تنطلق من رغبة في التخلص من أوراق تحمل صور بشار أو حافظ الأسد، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال إعادة تصميم الفئات العليا مثل ورقتي الألف والألفين ليرة، دون المساس بالقيمة الاسمية.
لكن شعار يحذر من أن حذف الأصفار قد يسبب ارتباكًا في عمليات البيع والشراء بسبب التعامل بأسعار مزدوجة خلال فترة الانتقال، إلى جانب التكلفة العالية لعملية الاستبدال التي قد تصل إلى مئات ملايين الدولارات، في وقت لا تسيطر فيه الدولة على كامل الأراضي السورية.
مخاطر الحذف وتصوراته الشعبية
يرى شعار أن الاعتقاد الشعبي بأن حذف الأصفار يحسّن الاقتصاد هو تصور نفسي أكثر منه اقتصادي، إذ لن تتغير معدلات التضخم دون تحسن الإنتاج وضبط الأسعار.
طرح “النيو ليرة”
في المقابل، يقترح مستشار وزير الاقتصاد، جورج خزام، حذف صفرين من العملة فيما يسميه “النيو ليرة”، ليصبح سعر صرف الدولار نحو 10 ليرات، مع إعادة التعامل بفئات أصغر مثل نصف وربع ليرة. لكنه يرى أن إعادة طباعة أوراق الألف والألفين ليرة بالقيمة نفسها غير مجدية، إذ قد تتجاوز تكلفة الطباعة القيمة الحقيقية للأوراق.
ويشير خزام إلى أن التضخم في جوهره ناتج عن اختلال بين كمية الأموال المتداولة بالليرة، وبين السلع والخدمات المتوفرة، إضافة إلى حجم الدولار المعروض للبيع. وعندما تطارد كميات ضخمة من العملة كمية محدودة من البضائع والعملة الصعبة، يرتفع سعر الصرف نتيجة هذا الخلل في العرض والطلب.
ويقترح ثلاثة مسارات لمعالجة المشكلة:
-
سحب فائض السيولة من السوق دون تجفيف النقد.
-
زيادة المعروض من الدولار عبر القنوات الرسمية.
-
زيادة الإنتاج المحلي لتعزيز الصادرات وتقليل الاعتماد على الواردات، وهو ما يراه المسار الأكثر فاعلية واستدامة.
بين الاقتصاد والسياسة
يعكس هذا الجدل أن الخلاف يتجاوز الجانب الفني إلى الرؤية الشاملة للاقتصاد السوري. فحذف الأصفار قد يمنح دفعة نفسية ويُظهر انضباطًا شكليًا للأسعار، لكنه يبقى إجراءً محدود الأثر ما لم يرافقه إصلاح هيكلي. أما إصدار فئات أكبر فيسهل التعاملات اليومية ويقلل أعباء نقل وتخزين النقد، لكنه لا يوقف التضخم دون سياسات نقدية ومالية صارمة.
كما أن أي تغيير في شكل أو تصميم العملة قد يحمل رسائل سياسية في بلد يعيش انقسامات حادة ومناطق نفوذ متعددة، ما يجعل القرار أبعد من كونه إجراءً نقديًا بحتًا.
إقرأ أيضاً: مصرف سوريا المركزي: إعفاء جزئي من الإيداع العقاري لتعزيز التسهيلات الإجرائية
إقرأ أيضاً: دمشق تنفي صفقات التسوية السرّية: إعادة هيكلة الاقتصاد لا تعني العفو