توماس براك والسياسة الأمريكية في سوريا: براغماتية استراتيجية أم غياب رؤية واضحة؟

من هو توماس براك؟

توماس براك، الملياردير الأمريكي والمقرّب من الرئيس دونالد ترامب، يشغل منصب السفير الأمريكي في تركيا، وتم تعيينه مبعوثًا خاصًا للولايات المتحدة إلى سوريا في 23 أيار 2025. كما كلّف مؤقتًا بمهام نائبة المبعوث الخاص للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، قبل أن يُلغى تكليفه بملف لبنان مطلع آب.

يترأس براك شركة “Colony NorthStar، ويعدّ من أبرز رجال الأعمال الأمريكيين تأثيرًا في سياسات البيت الأبيض.

مواقف متباينة: دعم دمشق أم رسائل تحذيرية؟

منذ تسلّمه الملف السوري، أطلق توماس براك عدة تصريحات أثارت الجدل، تراوحت بين دعم واضح للحكومة السورية، ودعوات للحوار والمصالحة، وبين لهجة تحذيرية بعد أحداث مثل اشتباكات السويداء، التي دفعت براك للدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، والتأكيد على “عدم وجود خطة بديلة عن استمرار الحكومة الحالية”.

كما انتقد براك “قسد” بسبب تأخرها في الحوار مع دمشق، وأكد رفضه للفيدرالية، معتبرًا أن وحدة الدولة المركزية هي “الحل المقبول الوحيد”.

تقليص الوجود العسكري الأمريكي في سوريا

أعلن براك عن تقليص التواجد العسكري الأمريكي إلى قاعدة واحدة داخل سوريا، ضمن سياسة أمريكية جديدة تركّز على تقليل التدخل العسكري المباشر، والاعتماد على أدوات سياسية واقتصادية.

هل السياسة الأمريكية في سوريا متناقضة؟

يرى محللون أن مواقف براك تعكس البراغماتية الأمريكية، لا التناقض، إذ تتغير التصريحات تبعًا للواقع الميداني. ووفقًا للمحلل السياسي وعضو الهيئة الوطنية السورية حسن النيفي الذي تحدب لجريدة “عنب بلدي”، فإن سياسة ترامب الشرق أوسطية تبتعد عن السيطرة العسكرية، وتركز على النفوذ الاقتصادي، وهو ما يجعل من براك -رجل الأعمال لا الدبلوماسي التقليدي- الأنسب لإدارة هذا الملف المعقّد.

التحولات في الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط

تسعى واشنطن إلى إعادة رسم نفوذها في الشرق الأوسط، عبر تخفيض الوجود العسكري والتركيز على الدبلوماسية والضغط الاقتصادي، وفق ما يراه فاروق بلال، رئيس المجلس السوري-الأمريكي، خلال تصريح لـ “عنب بلدي”.

ويضيف بلال أن الولايات المتحدة تهدف إلى انسحاب منظم من سوريا والمنطقة، دون ترك فراغ أمني تستغله إيران أو الجماعات المتطرفة، وتسعى لتأمين “بيئة مستقرة” بأقل التكاليف، دون التزامات مالية لإعادة الإعمار.

الموقف من العقوبات الأمريكية على سوريا

يشهد الكونغرس الأمريكي انقسامًا حول مستقبل العقوبات، خاصة قانون قيصر. ويتوزع الموقف على تيارين:

التيار الأول: يطالب برفع شامل للعقوبات، باعتبارها تضر المدنيين وتعيق إعادة الإعمار.

التيار الثاني: يدعو للإبقاء على العقوبات مع تعديلات محدودة، لاستخدامها كأداة ضغط لتحقيق أهداف سياسية، مثل:

1- الحفاظ على وحدة سوريا

2- محاربة تنظيم داعش

3- تقليص النفوذ الإيراني

4- تشكيل حكومة تمثل جميع السوريين

مؤشرات على الانفتاح الأمريكي نحو دمشق؟

يرى النيفي أن أبرز دافع أمريكي للتقارب مع دمشق هو هزيمة إيران في سوريا، إلى جانب التزام الحكومة السورية بمكافحة الإرهاب ووقف تجارة المخدرات.

لكن، رغم زيارات متعددة لمسؤولين سوريين إلى موسكو وفتح قنوات تواصل إقليمية، تبقى واشنطن مترددة في لعب دور الضامن لأي تسوية سياسية، وتربط تنفيذ وعودها بتحقيق إصلاحات داخلية حقيقية تشمل:

أ- إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية

ب- مشاركة جميع مكونات المجتمع السوري بالحكم

ج- تحسين الوضع الأمني والسياسي

السياسة الأمريكية في سوريا: وعود معلّقة ورؤية غير واضحة

تشير المعطيات إلى أن الدعم الأمريكي لسوريا لا يزال مشروطًا ومحدودًا، ولا يتجاوز إطار التصريحات والوعود. لا تعتزم واشنطن تمويل إعادة الإعمار أو إعادة هيكلة المؤسسات، إلا إذا أثبتت الحكومة السورية جديّتها في تنفيذ إصلاحات داخلية تعزز الثقة.

مستقبل العلاقة السورية الأمريكية: ما المتوقع؟

يرتبط مستقبل العلاقة بين سوريا والولايات المتحدة بعدة عوامل، منها:

استقرار الأوضاع الأمنية، خصوصًا في مناطق مثل الساحل والسويداء

الخطاب المتوقع للرئيس السوري في مجلس الأمن خلال أيلول المقبل

توازن السياسة الخارجية السورية مع الداخل المتماسك

ويرى مراقبون أن واشنطن تتعامل مع الملف السوري كجزء من “معادلة استقرار” في الشرق الأوسط، تسعى فيها لتفادي الفوضى، دون التورط في حروب جديدة أو إنفاق أموال طائلة.

إقرأ أيضاً: نيوزويك: ما يحدث في سوريا وصمة عار على واشنطن وضمير العالم

إقرأ أيضاً: أمريكا تتوسط لاجتماع مرتقب بين إسرائيل وسوريا لتجنب أزمات جديدة

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.