نشطاء سوريون: الخوف من الاعتقال يلاحقنا مجددا بعد سقوط الأسد
بعد سقوط نظام بشار الأسد، سادت حالة من التفاؤل بين السوريين بأن الحريات السياسية ستشهد توسعاً كبيراً، إلا أن هذا التفاؤل سرعان ما تبدد، حيث يعبّر العديد من النشطاء والصحفيين حالياً عن مخاوف متزايدة من عودة القيود على حرية التعبير.
تثير الأحداث الأخيرة في منطقتي الساحل والسويداء مخاوف من العودة إلى ممارسات القمع القديمة، مما يهدد مستقبل الحريات في البلاد.
اقرأ أيضاً:اعتقالات غامضة تطال مواطنين في مناطق سورية متفرقة وسط غياب التوضيحات الرسمية
في تقرير لقناة “بي بي سي”، تحدث نشطاء سوريون عن شعورهم بالخوف، مما دفع بعضهم إلى مغادرة البلاد مرة أخرى، على الرغم من آمالهم السابقة بالعودة والمساهمة في بناء سوريا الجديدة، وتأتي هذه الخطوة في ظل ما يصفونه بانتهاكات متكررة تستهدف الساحتين الثقافية والسياسية.
“مدرسة الأسد لا تزال قائمة”
تصف ندى، وهي ناشطة سورية (اسم مستعار)، تجربتها بعد سقوط النظام مباشرة بأنها كانت “حلماً بسوريا جديدة”، لكنها سرعان ما شعرت أن هذا الحلم بعيد عن الواقع، وتقول ندى إن ما اعتقده النشطاء فترة من الحرية كان قصيراً جداً، إذ لم يمر سوى بضعة أشهر حتى بدأت استدعاءات النشطاء للتحقيق بتهمة “الإساءة لهيبة الدولة”.
تروي ندى حادثة وقعت معها على الحدود اللبنانية عندما كانت متوجهة لحضور مؤتمر عن العدالة الانتقالية، تقول إنها كانت تخفي نشاطها السياسي في عهد الأسد، ولكنها بعد سقوطه اعتقدت أن الأمور تغيرت، فحملت معها دعوة رسمية للمؤتمر، إلا أنها خضعت لتحقيق مطول عند الحدود، وتم منعها من الدخول في البداية، دفعتها هذه الحادثة إلى العودة إلى الخوف القديم، وتغيير رأيها بشأن العودة إلى سوريا.
وتوضح ندى أنها لا تفكر بالعودة في الوقت الحالي، لأنها ترى أن هناك “خطراً حقيقياً على حياتي، ليس فقط من الأجهزة الأمنية، بل من الشبيحة والفوضى الأمنية”.
وتضيف أن التجربة مع النظام السابق علّمتها أن التهديد قد يطال الأحباء، ولهذا السبب تتحدث باسم مستعار.
“لم أصمت في عهد الأسد… ولن أصمت الآن”
يامن حسين، الكاتب والناشط الحقوقي المقيم في برلين، يعبّر عن خوفه وقلقه على عائلته في سوريا، اضطر يامن لإلغاء زيارة كان يخطط لها إلى سوريا خوفاً من التعرض “لاستهداف مباشر” من قبل السلطات.
يقول يامن إن المشكلة لا تقتصر على الأجهزة الأمنية، بل تمتد إلى “بيئة عامة أصبحت مهيأة للتحريض والخوف”، ويشير إلى أن السلطة تسمح بحملات تحريض مكثفة على المعارضين، بدلاً من اعتقالهم مباشرة، ويضرب مثالًا ببعض المنشورات الداعمة لموقف السويداء، حيث كان الناس يخشون حتى من الضغط على زر الإعجاب خوفا من المساءلة.
وعلى الرغم من خوفه، يصر يامن على موقفه، يقول إنه سأل والدته عما إذا كانت تفضل أن يقلل من انتقاداته، فأجابته: “لا. حتى في ظل حكم الأسد لم تصمت… فلا تتوقف الآن”.
رقابة ثقافية متزايدة
لا يقتصر التضييق على الحريات السياسية فقط، بل يمتد إلى الحقل الثقافي أيضا.
في حادثة تعكس هذا الواقع، مُنعت رواية “جنة البرابرة” للروائي السوري خليل صويلح من الطباعة والنشر في سوريا.
أفاد صويلح على صفحته على فيسبوك أن لجنة الرقابة طلبت حذف عشرات العبارات من الرواية، التي صدرت قبل أكثر من عشر سنوات في القاهرة.
كما طُلب منه تغيير عنوان الرواية، وحذف الإشارة إلى رواية “خريف البطريرك” للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز.
انتهاكات متصاعدة
تصاعدت في الآونة الأخيرة الانتهاكات التي طالت الصحفيين والنشطاء، وشملت حالات تضييق وملاحقة أمنية، وصولًا إلى حالات تعذيب وقتل غامضة.
من أبرز هذه الحوادث العثور على جثة الناشط الإعلامي كندي العداي مشنوقًا في شقته بمدينة دير الزور، وظهرت على الجثة آثار تعذيب واضحة، أثارت هذه الحادثة غضبا واسعا بين النشطاء، خاصة وأن العداي كان معروفا بتوثيقه للانتهاكات منذ بداية الثورة في 2011.
كما أثار اعتقال الصحفية نور سليمان ضجة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأُفرج عنها لاحقا بعد أن أصبحت قضية رأي عام.
رد وزارة الإعلام السورية
من جهتها، نفت وزارة الإعلام السورية أي تضييق على الحريات، حيث أكد مدير الشؤون الصحفية في الوزارة، عمر حاج أحمد، أن “حرية التعبير حق دستوري ومبدأ أساسي”.
وأضاف أن الوزارة تعمل على توسيع هامش الحريات الإعلامية وتجميد بعض القوانين القديمة.
وحول منع رواية خليل صويلح، نفى حاج أحمد أن تكون قد مُنعت، موضحا أن ما طُلب هو “تصويب بعض الكلمات” التي وُصفت بأنها “معلومات تاريخية مغلوطة ووصف مسيء للثوار السوريين وعناصر الجيش الحر”.
تثير هذه التطورات تساؤلات حول مدى استمرارية الحريات التي يأمل بها السوريون بعد سقوط النظام.
فهل سيتمكن النشطاء من ممارسة عملهم بحرية، أم ستظل مخاوف الاعتقال والتضييق تحاصرهم؟
اقرأ أيضاً:تصاعد الانتهاكات ضد الصحفيين في سوريا
اقرأ أيضاً: سوريا بعد الأسد.. بلدٌ مُستباح وسط فراغ السلطة وتفكك الهوية
حساباتنا: فيسبوك تلغرام يوتيوب