من الحرب إلى الاستثمار.. السعودية تعيد رسم التوازنات في سوريا
تعيش سوريا اليوم تحوّلاً جذريًا في طبيعة حضور الفاعلين الإقليميين والدوليين على أراضيها، مع تراجع دور السلاح وتقدّم أدوات الاستثمار كوسيلة لتحديد النفوذ. وفي هذا السياق، يبدو أن المملكة العربية السعودية تتصدر المشهد، ليس عبر سياسة الدعم السياسي فقط، بل من خلال دخولها القوي في مشاريع إعادة الإعمار، بعد أكثر من عقد على اندلاع الصراع السوري.
بحسب تقرير نشره موقع “ليه ديبلوماتيه”، فقد أبرمت الرياض اتفاقيات شراكة في دمشق تتجاوز قيمتها 5.6 مليارات دولار، في دلالة على عودتها إلى سوريا من باب الاقتصاد هذه المرة، بعد أن كانت داعمًا أساسيًا في مسار التغيير السياسي الذي انتهى بسقوط نظام بشار الأسد نهاية العام 2024، وصعود أحمد الشرع إلى سدة الحكم بدعم إقليمي.
منتدى اقتصادي رغم التوتر الطائفي
الزيارة الأخيرة لوفد سعودي كبير – ضم أكثر من 150 ممثلاً عن القطاعين العام والخاص – جاءت بقيادة وزير الاستثمار خالد الفالح، وعقد خلالها “منتدى دمشق للاستثمار”، في وقت كانت فيه البلاد لا تزال تحت وطأة التوترات الأمنية الطائفية في الجنوب، خاصة في محافظة السويداء. إلا أن الرسالة كانت واضحة: الاقتصاد أولاً، والاستقرار يمكن أن يُبنى على أساس النمو والتنمية لا القمع والسيطرة الأمنية.
تشمل الاستثمارات السعودية قطاعات حيوية مثل الطاقة، والبنية التحتية، والطيران، والصناعة الثقيلة، والاتصالات، والسياحة. ومن أبرز المشاريع التي تم الإعلان عنها:
-
مصنع إسمنت في عدرا بقيمة 20 مليون دولار.
-
مجمع تجاري ضخم بكلفة تقارب 100 مليون دولار.
فك العزلة ورفع العقوبات
هذا الحضور الاقتصادي المتسارع ترافق مع رفع رسمي للعقوبات الأميركية على سوريا في يوليو/تموز، بعد لقاء جمع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مع رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع في السعودية، خطوة جاءت استجابةً لطلب سعودي–تركي مشترك. وقد مكّن ذلك دمشق من سداد ديونها للبنك الدولي، وفتح الباب أمام دخول شركات أميركية إلى السوق السورية، لا سيما في قطاع الطاقة.
مجلس اقتصادي مشترك وتنظيم الاستثمارات
يجري العمل حالياً على تشكيل مجلس تجاري مشترك بين دمشق والرياض، بهدف تنظيم العلاقة الاقتصادية الجديدة وفق إطار مؤسسي يضمن الاستدامة، بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة.
ومع هذا التحول، تصبح عملية إعادة الإعمار في سوريا ليست فقط شأناً داخليًا، بل معركة جيو-اقتصادية إقليمية، تُستخدم فيها الاستثمارات كأدوات لبناء النفوذ، وتحديد مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي.
إقرأ أيضاً:رؤية السعودية الجديدة لسوريا: دعم الاستقرار في وجه التحديات الإقليمية