الشرع بين الوحدة والتقسيم .. تناقض الخطاب والأداء السياسي

داما بوست -خاص

رغم الخطابات الرسمية التي تؤكد على وحدة الأراضي السورية ورفض مشاريع التقسيم، إلا أن الأداء السياسي لحكومة أحمد الشرع يكشف عن تناقضات واضحة تؤدي إلى الانقسام وتُضعف مركزية الدولة.
هذا التباين يطرح تساؤلات جوهرية حول حقيقة التوجّه السياسي في مرحلة ما بعد الحرب.

قبل مئة عام، حاولت فرنسا خلال انتدابها على سوريا تقسيم البلاد إلى دويلات طائفية، مدفوعة بسياسة استعمارية تهدف إلى تقويض أي مشروع وطني موحّد. فقد أنشأت ست دويلات منفصلة هي: دولة العلويين، جبل الدروز، دمشق، حلب، لبنان الكبير، ولواء الإسكندرون. لكن هذا المشروع فشل، تحت ضغط الثورة السورية الكبرى ورفض السوريين المبدئي لتقسيم أرضهم على أساس ديني أو طائفي.

اليوم، وبعد مرور قرن كامل، يعود السؤال ليطرح نفسه بقوة: هل يتحقق في حكم أحمد الشرع، رئيس المرحلة الانتقالية، المشاريع الفرنسية التي أفشلها الشعب السوري؟

إقرأ أيضاً: أحداث السويداء: كيف يرى السوريون أسباب التصعيد ومن يتحمّل المسؤولية؟

من الانتداب إلى “الاحتكار الثوري”

تُجمع العديد من القوى الثورية والمكونات الوطنية أن منطق التعنت السياسي الذي تتبناه الحكومة السورية برئاسة أحمد الشرع اليوم، وتفرده بإدارة المشهد السوري من خلال أدواته الأمنية والعسكرية، وعلى رأسها هيئة تحرير الشام، يمثل إعادة إنتاج لمنطق حكم اللون الواحد، الذي يُقصي باقي المكونات، وخصوصًا الأقليات والقوى المدنية، ويغلق الباب أمام أي مشروع حكم تشاركي أو وطني شامل.

في ظل تفاقم التوتر في الجنوب السوري، وتحديدًا في السويداء، وما تبعها من تفكك في البنية الوطنية، يُنظر إلى موقف الشرع الرافض لتقديم تنازلات أو الانفتاح على شركائه السوريين، كعامل رئيسي في تهديد وحدة سوريا، بل وتعريضها لخطر التقسيم بحكم الأمر الواقع.

 

مناهج الإقصاء… أدوات تحرير الشام

وبحسب سياسيين وناشطين ميدانيين، فإن واقع “الحكم الفعلي” لهيئة تحرير الشام، وسيطرتها على القرار الأمني والعسكري والإداري، يجعل من الشرع واجهة لحكم عقائدي مغلق، لا يسمح بمشاركة الأقليات الدينية أو القوى الليبرالية والعلمانية أو حتى فصائل الثورة التي لا تنتمي لهذا التيار.

ويطرح ناشطون تساؤلات صادمة: “إذا كانت فرنسا، بكل قوتها العسكرية والسياسية، فشلت في فرض تقسيم طائفي على سوريا، فهل تودي سياسات الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى تمزيق النسيج الوطني عبر فرض صيغة حكم إقصائية شديدة المركزية؟”

 

من فشل التعايش إلى الانزلاق نحو التفكك

الشرع، وفقًا لمراقبين، أفشل التوافق الوطني الذي تشكل بعد سقوط النظام السابق، حيث منعت قراراته الأحادية، وتفرده بالمشهد، أي محاولة حقيقية لبناء دولة مدنية تشاركية. حتى الأقليات التي وقفت مع المرحلة الانتقالية، كالدروز والمسيحيين، بدأت تبحث عن مظلات دولية لحمايتها، تمامًا كما فعلت بعض الطوائف خلال الانتداب الفرنسي.

وفي الجنوب، تتجه السويداء نحو تنظيم نفسها في إدارة محلية مستقلة، وسط مؤشرات إلى أن مدنًا أخرى قد تسير في الاتجاه ذاته، ما يعني أن خريطة “الدويلات” التي أرادتها فرنسا، قد تُرسم اليوم على يد الشرع، إذا استمر النهج القائم.

ما بعد الشرع: دولة أم كانتونات؟

تحذر أوساط سياسية وثورية من أن استمرار إقصاء المكونات السورية تحت حكم الشرع وتياره، وغياب أي مشروع حقيقي للمشاركة السياسية، سيدفع بالمزيد من المناطق إلى خيار الانفصال الذاتي، وفتح قنوات دولية، كما تفعل قسد في الشرق، والدروز في الجنوب.

ويؤكد محللون أن التاريخ لا يرحم، وأن إعادة إنتاج تجربة “الفرنسيين الجدد”، هذه المرة بلباس ثوري، قد تطيح بوحدة سوريا وتغلق ملف الثورة إلى الأبد.

ما عجزت عنه فرنسا بالاحتلال، قد ينجح فيه الشرع بالتعنت. إذا لم يفتح باب الشراكة الوطنية، ويُنزع الغطاء الحصري عن هيئة تحرير الشام، فإن سيناريو التقسيم سيتحقق لا كخطة استعمارية، بل كنتيجة مباشرة لحكم مركزي مغلق، أُفرغ من روحه الثورية، وبات يُشبه ما ثارت عليه الثورة السورية ذات يوم.

خلفية التقسيم الفرنسي لسوريا

بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، خضعت سوريا للانتداب الفرنسي، وبموجب اتفاقية سايكس – بيكو (1916) وقرار عصبة الأمم عام 1920.

فرنسا رأت أن الوحدة الوطنية في سوريا تشكّل تهديدًا لوجودها، خاصة مع صعود الحركة القومية السورية. لذلك قررت تقسيم البلاد على أسس طائفية ومناطقية.

الدويلات التي أنشأتها فرنسا في سوريا

بين عامي 1920 و1936، أنشأت فرنسا ست دويلات منفصلة، وهي:

1- دولة دمشق

تشمل دمشق والمناطق الوسطى.

ذات أغلبية سنية.

 

2- دولة حلب

تشمل حلب وشمال سوريا.

تضم خليطًا من السنة والمسيحيين والأكراد.

 

3- دولة العلويين

على الساحل السوري (اللاذقية وطرطوس).

ذات غالبية علوية.

خضعت لإدارة خاصة ومباشرة من الفرنسيين.

 

4- دولة جبل الدروز

جنوب سوريا (منطقة السويداء).

ذات أغلبية درزية.

منحت حكمًا ذاتيًا جزئيًا.

5- دولة لواء الإسكندرون

منطقة ذات أغلبية عربية وعلوية، لاحقًا سلّمتها فرنسا لتركيا عام 1939.

6- دولة لبنان الكبير

تأسست سنة 1920، وفُصلت عن سوريا، وشملت مناطق ذات غالبية مسيحية إلى جانب شيعة وسنة ودروز.

رد الفعل الشعبي السوري

السوريون في العموم رفضوا هذا التقسيم واعتبروه إهانة لوحدة الوطن.

قادت النخب الوطنية حركات مقاومة، أبرزها:

الثورة السورية الكبرى (1925-1927) بقيادة سلطان باشا الأطرش.

نشاط الكتلة الوطنية التي طالبت باستقلال موحد لسوريا.

نتيجة الضغط الشعبي والمقاومة، اضطرت فرنسا إلى إلغاء التقسيم تدريجيًا بحلول عام 1936، وتم توحيد الدويلات في دولة سورية واحدة، باستثناء لبنان.

قد حاولت فرنسا تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية مستقلة، لكنها فشلت بسبب الوعي الشعبي السوري، والتوازنات الدولية، والمقاومة الوطنية، ورفض الانقسام. هذه التجربة تركت أثرًا عميقًا في الذاكرة السياسية السورية، ما جعل وحدة البلاد قضية مركزية في أي مشروع وطني لاحق.

 

إقرأ أيضاً: خفايا صفقة السويداء: كيف أعادت واشنطن وتل أبيب توزيع النفوذ في سوريا؟

إقرأ أيضاً: هل يمهّد اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء لبداية حكم ذاتي؟

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.