رسائل أمريكية مشفّرة حملتها ناقلات الدبابات على متنها عبر الحدود العراقية السورية، كوسيلة ضغط أو أداةٍ لتصعيد ميداني محتمل، وعلى مرأى القوات الأمريكية تمطر العشائر العربية مجموعات “قسد” بصلياتٍ أفقدت تلك المجموعات بعض مواقعها، تزامناً قوات أمريكية تجتاز الحدود العراقية السورية لتعزيز قواعدها غير الشرعية داخل الأراضي السورية قرب الشريط الحدودي، فيما ينفذ الجيش الأمريكي تدريبات عسكرية بالتزامن مع اشتباكات بين العشائر العربية ومجموعات “قسد”، فما الذي تحمله الرياح الأمريكية قبل نهاية هذا الصيف!
تقارير إعلامية أفادت بأن القوات الأمريكية الموجودة في محافظة الأنبار غربي العراق تنوي إغلاق الشريط الحدودي مع سورية، فيما أشارت التقارير إلى وصول تعزيزات للقوات الأمريكية المتمركزة داخل الأراضي السورية. واستقدمت القوات الأمريكية تعزيزات تضم آليات وجنودا على الحدود السورية، قادمة من الجانب العراقي باتجاه مدينة القائم بالقرب من مدينة البوكمال الحدودية على امتداد نهر الفرات، كما أجرت قوات التحالف بقيادة واشنطن، تدريبات عسكرية شاركت بها الطائرات الحربية بريف دير الزور الشمالي.
تلك التحركات المتسارعة تحت جنح النوايا غير المعلنة، ترافقت مع صدور مواقف عراقية رافضة للتواجد العسكري الأمريكي في البلاد، وهو ما عبّر عنه مجلس النواب عبر عددٍ كبير من أعضائه الذين شددوا على أن الوجود الأمريكي على الأرض العراقية يمثل انتهاكا للسيادة العراقية، بينما أكدت الحكومة العراقية عدم وجود رغبة أو حاجة لوجود عسكري أمريكي مع تنامي القدرات العراقية.
ما هدف واشنطن من تعزيز تواجدها العسكري؟
ربما توحي الاشتباكات بين العشائر العربية ومجموعات قسد بجانب من الإجابة عن ذلك التساؤل، حيث تداخلت تفاصيل المشهد خلال الأيام الماضية، مع تصاعد الاشتباكات بين “قسد” من جهة ومسلحي “مجلس دير الزور العسكري” التابع لقسد، والمؤلف من أبناء العشائر العربية من جهة أخرى في معظم مناطق ريف دير الزور.
تلك الاشتباكات التي تجري على بعد مرمى حجر من القوات الأمريكية أسفرت عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، كما تمكن أبناء العشائر العربية من طرد مسلحي “قسد” من مناطق تمركزهم في عدد من القرى والمواقع وقاموا بإعطاب عدد من آلياتهم العسكرية.
إذا.. القوات الأمريكية أمام اختبارٍ جدّي تجاه التزامها بحماية مجموعات “قسد” وعدم السماح بإضعافها أو تقليص نفوذها في المناطق التي تسيطر عليها، رغم أن الطرف الآخر في الصراع تمثله العشائر الموالية لقسد، أي أنها جهات ليست معادية لواشنطن، وهنا غابت عن الساحة لأسباب غير واضحة جهود الوساطة الأمريكية بين الحليف “قسد” وتابعه العشائر الموالية لمجموعات الميليشيا، وهو ما اعتبره البعض تلكؤا أمريكيا متعمدا بمساعدة الحليف لإفهامه بأهمية الغطاء الأمريكي الذي يحمي قسد ويضمن استمرار وجودها لأطول فترة ممكنة، وربما للتعبير عن التحفظ على بعض ممارسات قسد تجاه العشائر العربية، وهي الممارسات التي تشكل نارا تحت الرماد، ليس في مصلحة الطرف الأمريكي ظهورها إلى السطح.
ورغم الموقف الأمريكي الذي يتصف حتى الآن بمراقبة الوضع والمطالبة بالتهدئة، فليس بمصلحة واشنطن انهيار قسد وزعزعة نفوذها، وعليه فقد برزت الحاجة لتعزيز القوات الأمريكية لتكون جاهزة للتدخل في اللحظات الصعبة.
ماذا عن الحدود السورية – العراقية؟
خلال الأشهر القليلة الماضية ، بدأت خيوط التواصل الاقتصادي تمتد تدريجيات عبر الحدود بين العراق وسورية، وهو ما تعتبره واشنطن تهديداً جدياً للعقوبات التي تفرضها على سورية، وفي هذه الحالة لن تتردد الولايات المتحدة بالتلويح بالعصا الغليظة لعرقلة جهود التواصل بين البلدين عبر الشريط الحدودي، كما أن أصداء الأصوات العراقية الداعية لإنهاء التواجد العسكري الأمريكي في العراق ترددت على الحدود من خلال تحركاتٍ توحي بأن لواشنطن مصالح وأهداف بعيدة المدى لا تتوافق مع المواقف العراقية الرافضة للوجود الأمريكي، بمعنى أنها رسالة عابرة للحدود تؤكد أن تواجد القوات الأمريكية يتجاوز البعد الجغرافي العراقي، وإن كان يتمركز في الأراضي العراقية وينطلق منها.
وزير الخارجية الدكتور فيصل المقداد قال إن الحشود الأمريكية على الحدود السورية العراقية هدفها الضغط على الدولة السورية للتراجع عن مواقفها وهو ما لم يتحقق، وشدد على أن العراق لن يسمح بشن عدوان من أراضيه على سورية.
إذاً، سورية تضع موضوع الحشود الأمريكية في خانة الضغوط، وهو ما يؤكد أن واشنطن تسعى لعرقلة التواصل بين العراق وسورية عبر الحدود، إضافة لحماية مجموعات قسد الموالية للولايات المتحدة، وهذا ما يلخص الهدف من تعزيز القوات الأمريكية لمواقعها في سورية. مؤكد أن قوات الاحتلال الامريكي دأبت على استخدام المجموعات المسلحة ودعمها لتحقيق أهداف سياسية، وعندما ضعفت تلك المجموعات على الأرض كأدوات لتنفيذ تلك الأهداف، وجدت واشنطن نفسها أمام خيار التحرك بنفسها وبشكل مباشر، عب التلويح بالتصعيد العسكري تارة، وبإمكانية مساعدة المجموعات الموالية لها (مثل قسد) تارة أخرى.
وسواء كانت التدريبات العسكرية الأمريكية بالذخيرة الحيّة مجرد رسالة تحمل الضغوط في طيّاتها، أو أنها مقدمة لرماياتٍ عملية ضد أطرافٍ معينة، فإن تلك التحركات ترفع حرارة هذا الصيف، بلمساتٍ أمريكية.