أمريكا والغرب يتلونون كالحرباء.. يزعمون دعم السلام في غزة ويشاركون في إبادتها بالسلاح
داما بوست- خاص
يتأكد يوماً بعد يوم من عمر الحرب على غزة أن الموقف الأوروبي من الحرب عليها يتلون كالحرباء، وهو ليس بالموقف المفاجئ فهو استمرار لموقف التبعية للقرار السياسي والعسكري الأمريكي، الذى تجلي في الموقف من الحرب الروسية الأوكرانية والتي تورطت فيها دول الاتحاد الأوروبي تبعاً للقرار في واشنطن، والوقوع في الحضن الأمريكي، وبدا ذلك أيضاً من قبل في الموقف الغربي من الحرب على العراق.
موقف الغرب من الحرب على غزة يعاني من فقدان التوازن السياسي، فالدول الأوربية انصاعت للموقف الأميركي في الحرب على غزة، وفقدت أوروبا توازنها الأخلاقي، إلا ما ندر من تصريحات خجولة لا تقدم ولا تؤخر، ولا تضع حداً للحرب الإسرائيلية المدمرة على القطاع الذي فقد كل مقومات الحياة، وبقيت فيه روح المقاومة تناضل وتقاوم مخرز الاحتلال ونيرانه الثقيلة.
أوروبا اليوم في وقوفها متفرجة على إبادة غزة في مأزق وفي اختبار حقيقي لمصداقيتها فهناك فشل سياسي وسقوط أخلاقي عبر عنه مؤخراً مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل الذي قال في كلمته أمام مؤتمر السفراء الأوروبيين في بروكسل إن “الاتحاد الأوروبي ملزم أخلاقياً وسياسياً بالمساهمة في إيجاد حل سياسي للنزاع في المنطقة، إذا لم ننجح فسنكون فى دوامة من العنف والكراهية المتبادلة لأجيال”، وهذا كلام خطير جداً يدل على أن أوروبا لا حول لها ولا قوة في فعل أي شيء، ومجريات الأحداث في غزة تؤكد ذلك، لا بل إن بعض الدول التي تدعي السلام في غزة ترسل السلاح لقتل الأبرياء فيها.
إن مسألة وقف الألم والبؤس الجماعي والقتل لدول بأكملها، كما يحصل اليوم من قتل لفلسطين عموماً ولغزة خصوصاً، يتضاءل أمام الصفقات المربحة بمليارات الدولارات الناتجة عن تجارة الأسلحة، كما يجري في قطاع غزة اليوم.
والمفارقة الكبرى هي أن بعض أكبر المدافعين المزعومين عن حقوق الإنسان من دول وكيانات هم في الواقع أولئك الذين يسهلون تجارة الأسلحة العالمية، ويسهلون انتهاك حقوق الإنسان مع الإفلات من العقاب، ولعل أسوأ ما يحصل من هذا يحصل في قطاع غزة في أقسى حرب وأكثرها دموية، وهي واحدة من أفقر المناطق وأكثرها عزلة في العالم، بفعل سياسات الاحتلال الإسرائيلي.
رقم مرعب، لعدد الشهداء في غزة، وفي حال انتهت الحرب اليوم، فإن 7.9 بالمئة من سكان قطاع غزة سيموتون بسبب الحرب وتداعياتها، وهذا يعني ما يصل إلى 186 ألف حالة وفاة أو أكثر، وفقاً لتقديرات عالمية، ولعل من أبلغ ما قيل في حرب غزة هذه العبارة “لا يموت الفلسطينيون في غزة بسبب فيروس لا يمكن تعقبه أو كارثة طبيعية، بل يموتون في حرب بلا رحمة لا يمكن استمرارها إلا من خلال شحنات ضخمة من الأسلحة، والتي تستمر في التدفق إلى إسرائيل على الرغم من الاحتجاجات الدولية”.
ورغم قرارات محكمة العدل الدولية، استمرت الأسلحة في التدفق، وكان معظمها يأتي من الحكومات الغربية، ومن غير المستغرب أن المصدر الرئيسي للأسلحة هو الولايات المتحدة، تليها ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، وهي دول تتباكى بدموع التماسيح على حقوق الإنسان، وتسفك دماء الإنسانية بنفس الوقت.
وعلى الرغم من إعلانات بعض الدول الأوروبية بأنها تعمل على تقليص أو حتى تجميد إمدادات الأسلحة إلى الاحتلال، إلا أن هذه الحكومات تواصل إيجاد محاذير قانونية لتأخير الحظر التام، تصر إيطاليا، على سبيل المثال، على احترام “الأوامر الموقعة مسبقاً”، وعلقت المملكة المتحدة معالجة تراخيص تصدير الأسلحة “في انتظار مراجعة أوسع”.
ومع ذلك، تظل واشنطن المورد الرئيسي للأسلحة إلى كيان الاحتلال، وفي عام 2016، وقعا مذكرة تفاهم أخرى من شأنها أن تسمح لـ “إسرائيل” بتلقي 38 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية، ومذكرة التفاهم الثالثة التي يتم توقيعها، وكان من المقرر أن تغطي الفترة ما بين 2018 إلى 2028.
ومع كل ذلك، دفع العدوان الصهيوني على غزة، أمريكا إلى تجاوز التزامها الأصلي، من خلال تخصيص 26 مليار دولار أخرى ، مع العلم جيداً أن غالبية ضحايا غزة، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، من المدنيين، ومعظمهم من النساء والأطفال.
أمريكا ذات وجهين، فحين تحث على إنهاء الحرب على غزة، تستمر في إغراق “إسرائيل” بالمزيد من الأسلحة، وهذا المنطق غاية في النفاق والحقد والتلون كالحرباء، وسلوك دولي معيب للغاية، وينطبق نفس النفاق على دول أخرى، معظمها غربية، والتي تتظاهر بوقاحة بأنها مدافعة عن حقوق الإنسان والسلام الدوليين، ولكن الأفعال تأتي على النقيض من ذلك تماماً.
الغرب وعلى رأسه أمريكا يطلقون دائماً التصريحات الرنانة التي تدعو “إسرائيل” لاحترام القانون الدولي، ولكن ما فائدة الكلمات المجردة عندما يستمر هذا الغرب التي تمسك بناصيته أمريكا في توفير سلاح القتل ضد غزة وسكانها، دون أي مساءلة أخلاقية أو قانونية؟.