يدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قرارة نفسه أن المأزق الذي وضع نفسه فيه بإعلانه الحرب وبدء عدوانه على قطاع غزة سيحسم مستقبله السياسي ويضعه أمام خياران إما أن يحقق مكاسب على الأرض وهو مالم يتحقق حتى الأن مع دخول عدوانه الشهر الثالث وبالتالي المحافظة على منصبه وإما الخروج مدحوراً من غزة وبالتالي فإن مقصلة معارضيه ستكون جاهزة لإعدامه سياسياً وهو ما سيحدث غالبا في الفترة القادمة.
المتابع للبيت الصهيوني والذي هو أوهن من بيت العنكبوت كما وصفه السيد حسن نصر الله يلاحظ أن المشكلة الأكبر التي تواجه نتنياهو في العدوان على غزة هي ليست محصورة باستبسال المقاومة الفلسطينية وتكبيدها القوات الصهيونية خسائر كبيرة وانما بالمعارضة الداخلية له ولاسيما من وزير حربه “يواف غالانت ” والذي من المفترض أن يكون التنسيق معه على أعلى مستويات باعتباره هو من يقود قطعانه المقاتلة على الأرض إلا أن سلوكه الإعلامي فضح بشكل كبير كرهه السياسي لنتنياهو وهو ما ظهر جلياً بانعدام التنسيق الإعلامي بين الطرفين ولاسيما في المؤتمرات الصحفية بعد رفض غالانت المشاركة في المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيس وزراء هذا الكيان لبحث آخر التطورات بعد استئناف العدوان عقب نهاية العدنة المؤقتة على غزة بسبب خلافه معه .
والأسواء بالنسبة لنتنياهو هو اليقين لدى أعضاء حكومته إضافة إلى أعضاء حزبه”الليكود” بأن قرار الحرب الذي اتخذه يرمي بالدرجة الأولى الى حماية مستقبله السياسي المهزوز أساساً جراء استماتته بالمضي بالتعديلات القضائية الأمر الذي لم يروق للكثير من الإسرائيليين .
وما زاد الطين بلة هو اتهام أهالي المحتجزين نتنياهو بأن همه الوحيد اظهار نفسه بمظهر القوي وإهماله ملف محتجزيهم لدى المقاومة وتعنته ورفض التفاوض مع “حماس” وعدم التعاطي معه بل وتعمده قتلهم وهو ما كشفت عنه البيانات الصادرة عن المقاومة حول مقتل العديد من المحتجزين إما بالقصف أو من خلال محاولات فاشلة لإعادتهم والتي تنتهي دائماً بكشفها واحباطها ومقتل عدد من قوات الاحتلال وغالباً مقتل المحتجزين والتي كان أحدثها مقتل الصهيوني “ساعر باروخ” أثر محاولة بائسة لاسترجاعه.
ولعل فشل نتنياهو إلى الأن في غزة والخسائر الكبيرة التي تتكبدها القوات الصهيونية في مختلف محاور توغلها في القطاع تجعل من “زعيم المعارضة” يائير لابيد أشد الفرحين والشامتين برئيس الحكومة وفرصة هامة لطرده من الليكود وحزبه الحاكم وعودة يائير مجدداً إلى السلطة كما ساهمت برفع أسهم الوزير في حكومة الاحتلال “بيني غانتس” والذي من المتوقع أن يحصل حزبه “حزب غانتس” في الانتخابات المقبلة وفق التوقعات على 38 عضو كنيست، مقابل 12 حاليا، ويصل دعمه كمرشح لرئاسة الوزراء إلى حوالي 50% وتراجع “حزب الليكود” بزعامة نتنياهو من 32 عضو كنيست إلى 18 فقط إضافة الى انخفاض شعبية نتنياهو إلى ما يقارب 25%.
ويبقى الوقت هو العنصر الحاسم اليوم بالنسبة للعدو الصهيوني المراهن على الانتصار الزائف الذي بات ينفد وينعد معه صبر ودعم الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة التي باتت تتجرع الويلات نتيجة حرب غزة من خلال اتساع رقعة استهداف قواتها في المنطقة من حيث الجغرافيا والعدد وتيقن الولايات المتحدة بأن انهاء “حماس” أمر مستحيل إضافة إلى تيقن واشنطن أن زعماء “إسرائيل” لا يملكون أي خطة لمرحلة ما بعد حماس في حال انتصرت عليها وهو امر كما قال عنه المسؤولين الأمريكيين مستحيل.
وختاماً نستشهد بالمقال الذي نشرته صحيفة “هارتس” للكاتب العبري “زافي باريل” الذي لخص فيه لخص حال نتنياهو وأداء حكومته بقوله.. “إسرائيل” يقودها زعيم فاسد كان يستثمر كل جهوده للانقلاب على النظام القضائي كما أنه استعدى الحكومات الغربية وقوض العلاقات مع الإدارة الأمريكية، وهو الآن يقود البلاد إلى حرب لا يعرف أحد أهدافها ونتائجها..