شبكة أنفاق وترسانة عسكرية: حجم قدرات “قسد” في أحياء حلب شمالاً

على مدى أكثر من عقد، عملت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على تحويل أحياء الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب إلى مناطق ذات طابع عسكري مغلق، عبر تكديس الأسلحة والذخائر، وبناء شبكة واسعة من الأنفاق والمخابئ والتحصينات، ما منحها شعورًا بالقوة وقدرة على الحفاظ على وجودها ومكاسبها العسكرية والسياسية في المدينة.

وتشير مصادر محلية لموقع “تلفزيون سوريا” إلى أن القدرات العسكرية لـ”قسد” لا تقتصر على وفرة السلاح والذخيرة، بل تقوم على بنية تحتية دفاعية محكمة، مدعومة بتراكم بشري وتنظيمي تشكّل عبر سنوات طويلة من السيطرة والتحصين. هذا الواقع يمنحها فائض قوة، ويجعلها قادرة على خوض مواجهة محتملة، خصوصًا في ظل حساسية موقعها الجغرافي وسط أحياء مكتظة بالسكان، وهو ما يجعل أي مواجهة كلفة بشرية عالية للحكومة السورية، في مقابل استعداد “قسد” لخوضها باعتبارها مسألة وجود.

لمحة عن حي الشيخ مقصود

يقع حي الشيخ مقصود وأجزاء من الأشرفية على تلة مرتفعة شمال حلب، وكان يعرف سابقًا باسم جبل السيدة، وقد سكنه تاريخيًا عدد من العائلات المسيحية والأرمنية والحلبية التقليدية، مثل عائلات قهواتي وبلدي وطحان وعمور وعرب وخالد أفندي وشريفة وجابر. لاحقًا، استقر فيه سكان من أرياف حلب المختلفة، ومن بينهم عائلات هنداوي وحماش، وكان الجامع الكبير في الحي من أعمال الشيخ أحمد حماش في ستينيات القرن الماضي.

وبحسب مصادر محلية، بدأ الحضور الكردي في الحي منذ سبعينيات القرن الماضي، مع أول احتفال بعيد النيروز منتصف الثمانينيات، وعائلة صبري من أقدم العائلات الكردية. خلال تلك الفترة، ظهرت مخالفات سكنية واسعة نتيجة ضعف الرقابة البلدية وغياب المخطط التنظيمي، ما أدى إلى تغير التركيبة السكانية وامتداد الأكراد نحو الأشرفية وبني زيد.

شبكة الأنفاق والمخابئ

تمتلك “قسد” شبكة واسعة من الأنفاق والمخابئ داخل أحياء الشيخ مقصود والأشرفية وأجزاء من بني زيد، تستخدم كمستودعات ضخمة للذخائر والأسلحة، فضلاً عن كونها خطوط دفاعية وممرات آمنة للتنقل بعيدًا عن أعين الخصوم، ما يمنحها قدرة إضافية على الصمود والمناورة في حال اندلاع مواجهة.

ويعزز الموقع المرتفع لهذه الأحياء من خطورة الموقف العسكري، إذ يتيح إشرافًا مباشرًا على عدد كبير من الأحياء المجاورة، ما يمكنها من تنفيذ عمليات تصعيد محدودة أو رصد تحركات الجيش السوري، ما يجعل أي محاولة اقتحام المنطقة معقدة ومكلفة من الناحيتين العسكرية والبشرية.

تأثيرات على المدنيين

يعيش السكان داخل مناطق سيطرة “قسد” حالة دائمة من القلق، إذ يدركون أن وجود مستودعات ضخمة من الأسلحة والذخائر تحت أقدامهم يعني أن أي تصعيد قد يكون كارثيًا، ما يضطرهم أحيانًا إلى النزوح نحو مناطق أكثر أمانًا، مثل عفرين شمالًا. كما أن تخزين “قسد” للوقود المخصص للآليات العسكرية يحرم الأهالي من المازوت للتدفئة، مما يزيد من معاناتهم اليومية ويعكس سلطة عسكرية تركز على جاهزية مقاتليها على حساب المدنيين.

نقل القوات والعتاد من عفرين والشهباء

في الربع الأول من عام 2018، انسحبت “قسد” من منطقة عفرين شمال غربي حلب بعد تقدم فصائل الجيش الوطني والجيش التركي، ونقلت جزءًا من قواتها وعتادها إلى منطقة الشهباء القريبة، فيما واصل قسم آخر مسيره نحو أحياء الشيخ مقصود والأشرفية داخل حلب، بالتنسيق مع نقاط القوات الروسية في المنطقة.

في عام 2024، مع تمدد عمليات “ردع العدوان” نحو حلب، بدأت “قسد” بسحب قواتها من الشهباء، وتدفقت أرتال ضخمة من المقاتلين والشاحنات المحملة بالذخائر والأسلحة إلى أحياء الشيخ مقصود والأشرفية، شاملة صواريخ مضادة للدروع وأسلحة متوسطة وخفيفة، ما يعكس استراتيجية إعادة التموضع وتخزين السلاح لضمان استمرار نفوذها داخل المدينة.

معادلة القوة الحالية

توفر شبكة الأنفاق والمخابئ، إلى جانب الترسانة العسكرية، قدرة كبيرة على الصمود والمناورة، رغم الضغوط العسكرية والسياسية المحيطة بـ”قسد”. انسحابها من عفرين عام 2018 شكل بداية مرحلة جديدة من التركيز على حلب، فيما كان انسحابها من الشهباء عام 2024 محاولة لتجميع أوراق القوة في مواجهة التحولات السياسية والعسكرية التي سبقت سقوط النظام .

وبذلك، تبدو “قسد” اليوم أمام معادلة معقدة: فهي تملك أدوات الردع والقدرة على المناورة داخل أحياء حلب، لكنها في الوقت نفسه محاطة بمخاطر داخلية وخارجية تجعل مستقبل وجودها رهناً بتوازنات أكبر من قدرتها الذاتية.

اقرأ أيضاً:حلب: ضغوط أميركية أسفرت عن وقف الاشتباكات بين الحكومة السورية و«قسد»

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.