من العزلة إلى إعادة التموضع الإقليمي والدولي
منذ سقوط النظام السوري السابق في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، دخلت السياسة الخارجية السورية مرحلة إعادة تشكّل شاملة، اتسمت بالبراغماتية العالية والسعي السريع لاكتساب الشرعية الدولية وتأمين الدعم الاقتصادي والأمني. وقد اعتمدت القيادة الجديدة على سياسة “تعدد المسارات” عبر الانفتاح المتزامن على القوى الإقليمية والدولية، مع إعادة تعريف التحالفات التقليدية.
إقرأ أيضاً: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا بعد سقوط النظام السابق
إقرأ أيضاً: سوريا 2025: عام الفجوة بين الخطاب والواقع
إقرأ أيضاً: السياسة الداخلية في سوريا خلال عام 2025
شهدت الأشهر الأولى انخراطاً مباشراً لتركيا وقطر في تثبيت الاستقرار الأمني والمؤسساتي، تبعه اندفاع عربي ملحوظ، خصوصاً من السعودية، شكّل المظلّة السياسية الأوسع للإدارة الجديدة. في المقابل، اتسم الانفتاح على روسيا والصين والولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي بالتدرّج والحذر، وربط بشكل واضح بملفات مكافحة الإرهاب، وضبط الحدود، والحد من النفوذ الإيراني.
على المستوى الأوروبي، عاد الحضور الدبلوماسي والإنساني بقوة، مع إبقاء الاعتراف الكامل مشروطاً بملفات حقوق الإنسان والأقليات. أما واشنطن، فقامت بإدارة العلاقة الأمنية والسياسية مباشرة، مع فتح نقاش تقني حول رفع العقوبات وقوائم الإرهاب.
إقليمياً، أعادت سوريا تموضعها بعيداً عن إيران، عبر تفكيك للعلاقة العسكرية والأمنية، مقابل تعزيز الشراكة مع الخليج وتركيا. وفي ملف شديد الحساسية، فُتحت قنوات تواصل مباشرة وغير مباشرة مع “إسرائيل” بوساطات إقليمية، ذات طابع أمني بحت، دون أي إعلان سياسي أو تطبيع رسمي.
في المقابل، شهدت العلاقات مع الإمارات ومصر والعراق فتوراً ملحوظاً، نتيجة تحفظات أيديولوجية وأمنية، ومخاوف من طبيعة الحكم الجديد وتوازناته الداخلية.
ماذا تريد الدول من سوريا الجديدة؟
السعودية
- استقرار إقليمي
- تحجيم الإسلام السياسي المتشدد
- إبعاد إيران
- شريك عربي غير فوضوي
قطر
- دور سياسي واقتصادي
- مشاريع طاقة وإعمار
- نفوذ ناعم طويل الأمد
تركيا
- أمن الحدود
- منع كيان كردي مستقل
- إعادة اللاجئين
- شراكات اقتصادية
الولايات المتحدة
- أمن “إسرائيل”
- التحكم بالقرار السوري
- تقليص النفوذ الإيراني والروسي
- استقرار دون تورّط مباشر
بريطانيا
- مكافحة التطرف
- التحكم بالقرار السوري
- أمن إ|سرائيل”
- تقليص النفوذ الإيراني والروسي
الاتحاد الأوروبي
- وقف موجات اللجوء
- استقرار أمني
- إصلاحات سياسية تدريجية
- تقليص النفوذ الإيراني والروسي
إسرائيل
- ضبط الحدود
- منع نقل السلاح
- إبعاد إيران وحلفائها
- منطقة آمنة خالية من السلاح حتى حدود دمشق
الإمارات
- تحفّظ على طبيعة الحكم
- خوف من نموذج إسلامي حاكم
مصر
- قلق أيديولوجي
- أولوية الاستقرار لا التغيير
إيران
- خسارة النفوذ
- خروج من المشهد السوري
التقييم العام
يمكن توصيف سياسة سوريا الخارجية في 2025 بأنها سياسة “الخروج من العزلة دون الارتهان لمحور واحد”، لكنها تبقى هشّة ومرهونة بالاستقرار الداخلي وقدرة السلطة على تقديم ضمانات سياسية ومجتمعية مستدامة. وتكشف هذه البانوراما عن مزيج من التحفظ الدولي، البراغماتية الإقليمية، والحذر الداخلي الذي يحدّد مسار العلاقات الخارجية السورية في هذه المرحلة الانتقالية.