الإمارات في سوريا ما بعد الأسد: نفوذ هادئ، تنافس مفتوح، وحسابات إقليمية معقدة

لم يكن سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024 حدثًا سوريًا داخليًا فحسب، بل شكّل نقطة تحوّل إقليمية أعادت خلط الأوراق بين القوى المتنافسة على النفوذ في سوريا.

وبينما اندفعت قوى إقليمية كتركيا وقطر للتعامل المباشر مع السلطة الجديدة، اختارت دولة الإمارات العربية المتحدة مقاربة أكثر حذرًا، تجمع بين العمل غير المعلن، والتحركات الدبلوماسية

ومحاولات التأثير عبر ملفات الأقليات وإعادة تشكيل التوازنات.

أولًا: مقاربة إماراتية حذرة في سوريا الجديدة

بحسب تقارير إعلامية عربية ودولية، تعاملت أبو ظبي مع سقوط النظام السابق بقدر كبير من التحفظ، خصوصًا مع وصول قوى ذات خلفية إسلامية إلى واجهة الحكم الانتقالي.

فالإمارات، التي كانت من أوائل الدول العربية المنخرطة في مسار تطبيع العلاقات مع نظام الأسد قبل سقوطه، وجدت نفسها أمام واقع جديد يهدد استراتيجيتها التقليدية القائمة على مناهضة الإسلام السياسي ومنع تمدد نفوذ تركيا وقطر.

ورغم إعلانها دعم “استقرار سوريا ووحدتها”، لم تُبدِ الإمارات اندفاعًا علنيًا للاعتراف الكامل بالسلطة الجديدة، مفضّلة العمل عبر قنوات خلفية، واتصالات غير مباشرة مع قوى محلية وإقليمية.

ثانياً: التنافس الإماراتي – التركي في سوريا ما بعد 2024

من الصدام غير المباشر إلى التنافس المنضبط

شهدت العلاقات التركية–الإماراتية بين 2015 و2021 صداما حادا في عدة ساحات إقليمية، أبرزها سوريا وليبيا، قبل أن تدخل مرحلة تهدئة نسبية منذ 2022.

إلا أن سقوط نظام الأسد أعاد فتح ملف التنافس في سوريا، وإن بأدوات مختلفة.

تركيا، التي تمتلك نفوذًا ميدانيًا واسعًا شمال سوريا وعلاقات وثيقة مع الفصائل المنتصرة، تسعى لترسيخ دورها كضامن أمني وسياسي، وتأمين مصالحها الحدودية، خصوصًا في ملف الأكراد.

في المقابل، تنظر الإمارات بقلق إلى هذا النفوذ، وترى فيه تهديدًا لتوازن القوى الإقليمي، وتسعى – بحسب تقارير – إلى موازنة الدور التركي عبر دعم قوى محلية أخرى، أو الاستثمار في ملفات الأقليات والاقتصاد وإعادة الإعمار مستقبلًا.

ثالثًا: الإمارات والسعودية… تنافس ناعم أم توزيع أدوار؟

على عكس الصدام الواضح مع تركيا، يتسم التنافس الإماراتي–السعودي في سوريا بطابع أكثر هدوءًا وتعقيدًا.

فالرياض، التي تركز على إعادة سوريا إلى الفضاء العربي، تميل إلى دعم مسار سياسي توافقي يحظى بغطاء دولي.

أما أبو ظبي، فتسعى إلى دور مستقل، يركز على النفوذ الأمني والاقتصادي والسياسي طويل الأمد، وعدم ترك الساحة السورية بالكامل للرياض أو أنقرة.

وبحسب مصادر إعلامية، يظهر هذا التنافس في محاولات كل طرف بناء شبكات علاقات محلية مختلفة، والتأثير في مسار إعادة الإعمار، وتشكيل النخب السياسية الجديدة.

رابعًا: التطبيع مع إسرائيل… ورقة إماراتية حساسة في الملف السوري

يشكّل التطبيع الإماراتي مع إسرائيل عاملًا إضافيًا في مقاربة أبو ظبي للملف السوري.

فوفق تقارير نشرتها وسائل إعلام غربية وعربية، لعبت الإمارات أدوارًا غير مباشرة في قنوات تواصل أو وساطات أمنية تتعلق بسوريا وإسرائيل، خصوصًا في مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق.

وتنظر الإمارات إلى علاقتها مع تل أبيب كأداة لتعزيز موقعها لدى الولايات المتحدة، وللتأثير في الترتيبات الأمنية الإقليمية، بما في ذلك الجنوب السوري وملف الجولان، وهو ما يثير حساسية لدى قوى سورية وفلسطينية، وكذلك لدى أطراف إقليمية منافسة.

خامسًا: الساحل السوري، العلويون، والشيخ غزال غزال

تولي الإمارات اهتمامًا خاصًا بالساحل السوري، لما يمثله من ثقل اجتماعي وطائفي وأمني.

وبحسب تقارير إعلامية، أقامت أبو ظبي قنوات تواصل مع شخصيات علوية ودينية واجتماعية في الساحل، في محاولة لطمأنة هذه البيئة، ومنع انزلاقها نحو الفوضى أو التحالف مع قوى معادية لمصالحها.

ويُتداول اسم الشيخ غزال غزال رئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا، ضمن هذا السياق، باعتباره أحد الشخصيات التي تحظى بحضور اجتماعي وديني في الساحل

وسط حديث عن علاقات غير مباشرة أو اهتمام إماراتي بدوره في مرحلة ما بعد الأسد، دون وجود تأكيدات رسمية حول طبيعة هذه العلاقة أو سقفها السياسي.

خاتمة:

تتحرك الإمارات في سوريا ما بعد الأسد وفق استراتيجية هادئة، متعددة المسارات، تقوم على تقليل المخاطر، وموازنة الخصوم، وعدم الانخراط المباشر في صراعات مفتوحة.

لكن في ظل التنافس الإقليمي الحاد، يبقى السؤال مفتوحًا:

هل تنجح أبو ظبي في ترسيخ نفوذها في سوريا الجديدة دون الاصطدام بتركيا أو السعودية؟

أم أن الساحة السورية، بتعقيداتها الداخلية وتشابكاتها الدولية، ستعيد إنتاج صراعات النفوذ بأشكال جديدة؟

 

اقرأ أيضاً:التطبيع العربي الإسرائيلي: بين “النموذج الإماراتي” وتجربة الأردن ومصر… ماذا عن سوريا؟

اقرأ أيضاً:حين يسبق الغازُ الماء: لماذا لا يشعر السوريون بالتطبيع الاقتصادي؟

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.