سرقة المتحف الوطني: عندما يتقاطع النفوذ مع حماية التراث
أثارت قضية سرقة المتحف الوطني بدمشق قبل عدة أسابيع جدلاً واسعاً في الأوساط السورية، بعد بيان لوزارة الثقافة أعلنت فيه إلقاء القبض على ما وصفته بـ“رأس شبكة سرقة الآثار”، في مقابل روايات صحفية وتشكيكات متزايدة حول هوية المتهمين وطبيعة مناصبهم، وما إذا كانت القضية تُدار بشفافية كاملة.
بيان رسمي واسم مختصر:
وزارة الثقافة قالت في بيانها إن التحقيقات “قادت في نهاية المطاف إلى إلقاء القبض على رأس شبكة لصوص الآثار المدعو (ط.ح)”، مشيرة إلى أن المتهم اعترف بجريمته وقدّم معلومات عن متورطين آخرين. إلا أن البيان اكتفى بالأحرف الأولى للاسم، من دون توضيح المنصب أو الخلفية الوظيفية للشخص المذكور.
اتهامات صحفية وهوية المتهم:
الصحفي السوري محمد السلوم قال إن الأحرف (ط.ح) تعود إلى طارق الحامض، وهو –بحسب ما ذكر– مندوب من الإدارة السياسية، عُيّن مديراً للعلاقات العامة في المديرية العامة للآثار والمتاحف، رغم عدم اختصاصه أو دراسته في مجال الآثار.
وبحسب السلوم، فإن الحامض يُعد مقرّباً من المدير العام للآثار والمتاحف أنس حج زيدان، مشيراً إلى أن كليهما أقاما في غرفة واحدة بدار الأوبرا في دمشق في بداية عملهما، في إشارة اعتبرها كثيرون دليلاً على طبيعة العلاقة والنفوذ داخل المؤسسة.
مشاركات خارجية تثير التساؤل:
وتتوسع التساؤلات مع الإشارة إلى مشاركة طارق الحامض في وفد سوري إلى مؤتمر عُقد في لوزان السويسرية في تشرين الأول/أكتوبر 2025، خُصص لإعادة تأهيل مدينة تدمر الأثرية، رغم كونه غير مختص بالآثار. كما ضم الوفد –بحسب السلوم– رأفت الشيباني، شقيق وزير الخارجية، وهو الآخر لا علاقة له بالآثار، وليس من ملاك المديرية العامة للآثار والمتاحف.
هذه المشاركات فتحت باب التساؤل حول معايير اختيار الوفود الرسمية، وحدود التداخل بين العمل التقني في ملف الآثار والعلاقات السياسية أو العائلية.
اتهامات أخرى وتناقض لافت:
تحدث الصحفي محمد السلوم أيضاً عن اتهام طارق الحامض بالضلوع في سرقة أسلحة مسجلة أثرياً، كانت محفوظة بالأمانة لمتحف دير عطية في مستودعات المديرية العامة للآثار والمتاحف، وهي اتهامات لم يصدر بشأنها توضيح رسمي حتى الآن.
ويزداد المشهد تعقيداً مع تداول تصريح سابق منسوب لطارق الحامض، كان قد نُشر في وسائل الإعلام عند انتشار خبر سرقة المتحف، نفى فيه وقوع السرقة من الأساس، قبل أن يُتهم لاحقاً بالوقوف وراءها.
صلات عائلية وردود فعل شعبية:
وتداولت بعض المصادر الإعلامية أن طارق الحامض هو شقيق وزير الرياضة والشباب سامح الحامض، ما زاد من حدة الجدل الشعبي، في ظل حساسية الرأي العام السوري تجاه قضايا المحسوبية وتداخل السلطة بالمناصب العامة.
على وسائل التواصل الاجتماعي، عبّر كثير من السوريين عن صدمتهم وغضبهم، معتبرين أن القضية –بغض النظر عن نتائج التحقيق– كشفت خللاً عميقاً في إدارة ملف الآثار، الذي يُعد من أكثر الملفات حساسية لارتباطه بالهوية الوطنية والذاكرة التاريخية.
ووجه السوريون عدة أسئلة إلى الجهات المختصة أبرزها:
لماذا لم تُذكر هوية المتهم كاملة في البيان الرسمي؟
ما معايير تعيين غير المختصين في مناصب حساسة داخل مؤسسة تُعنى بحماية التراث؟
إلى أن تتضح هذه النقاط، ستبقى قضية سرقة المتحف الوطني مثالاً جديداً على أزمة الثقة بين الشارع والمؤسسات الرسمية، واختباراً حقيقياً لمدى جدية الدولة في حماية آثارها ومحاسبة المتورطين دون استثناء.
إقرأ أيضاً: سرقة مركز الوثائق التاريخية في دمشق تثير مخاوف على أرشيف نادر يمتد لخمسة قرون
إقرأ أيضاً: رأفت حسن… شقيق وزير الخارجية في واجهة الإعلان ومخاوف متصاعدة من “حكم العائلة” في سوريا