الكهرباء في سوريا: وعود التحسين تصطدم بعودة التقنين وعدم العدالة في التوزيع
بعد سقوط النظام السوري السابق، لم تعد الكهرباء في سوريا مجرّد خدمة عامة يُنتظر إصلاحها، بل تحوّلت إلى اختبار يومي لصدقية الوعود الحكومية وقدرتها على إحداث تغيير ملموس في حياة السوريين، بعد سنوات طويلة من التقنين القاسي والانقطاع شبه الدائم.
في الأسابيع الأولى التي تلت سقوط النظام، شهدت عدة مناطق، ولا سيما دمشق وريفها، تحسناً نسبياً في ساعات التغذية الكهربائية، ما أعاد الأمل بإمكانية كسر حلقة العتمة المزمنة. وترافق ذلك مع خطاب رسمي عن خطط طوارئ وإصلاحات في قطاع الطاقة، إضافة إلى رفع تعرفة الكهرباء باعتبارها خطوة ضرورية لضمان استدامة الخدمة.
غير أن هذا التحسن لم يدم طويلاً، إذ عاد التقنين القاسي خلال الأيام الماضية، بالتزامن مع اقتراب ذكرى التحرير، لتتصاعد شكاوى السكان من تراجع الخدمة مقابل تعرفة أعلى، في مشهد أعاد إلى الأذهان واقع الكهرباء ما قبل سقوط النظام.
ساعة وصل مقابل ساعات انتظار:
في أحياء دمشق، بات واقع الكهرباء أقرب إلى حالة من الترقّب والارتباك، في ظل غياب أي جدول واضح للتغذية.
ناتالي، من سكان مساكن برزة، تقول إن الكهرباء تصل إلى منطقتها بمعدل ساعة واحدة كل ست ساعات، إن وصلت أصلاً، مشيرة إلى أن ساعات الوصل والقطع تتبدل بشكل عشوائي، ما يربك تفاصيل الحياة اليومية.
وتضيف أن التحسن الذي تلا رفع التعرفة لم يستمر سوى أيام قليلة، قبل أن تعود ساعات التقنين الطويلة، متسائلة عن جدوى رفع الأسعار في ظل خدمة غير مستقرة.
انقطاع الكهرباء يفتح أزمة مياه:
في أحياء أخرى مثل المزة، لا يقتصر أثر انقطاع الكهرباء على الإنارة فقط، بل يمتد إلى أزمة المياه.
عائدة، من سكان المنطقة، توضح أن الكهرباء تصل ساعة واحدة كل ست ساعات، وغالباً في أوقات لا تتزامن مع ضخ المياه، ما يحرم السكان من القدرة على التخزين، ويخلق أزمة مزدوجة يصعب التعامل معها.
وتؤكد أن التبريرات الرسمية المتكررة، بين ضغط على الشبكة أو أسباب فنية، لا تجيب عن السؤال الأهم: لماذا تراجع الوضع بعد الحديث عن تحسّن ملموس؟
دمشق القديمة: تحسّن عابر وعودة التقنين:
في باب شرقي، يقول ضرار إن التيار الكهربائي ينقطع لنحو ست ساعات متواصلة مقابل ساعة أو ساعة ونصف من التغذية، وغالباً لا تكتمل، مع تفاوت واضح بين الأحياء داخل العاصمة.
ويرى أن التحسّن الذي شهده التيار لفترة قصيرة لم يكن سوى “ومضة مؤقتة”، محذّراً من أن الاكتفاء بالوعود من دون أفعال ملموسة يعمّق فقدان الثقة.
أما في دمر، فيشير عمار مغربية إلى انقطاع شبه كامل للكهرباء استمر قرابة 24 ساعة، مؤكداً أن الصورة باتت غير واضحة: هل ما يجري تقنين أم أعطال أم تراجع فعلي في التغذية؟
تفاوت حاد بين المحافظات:
لا يقتصر التفاوت في التغذية الكهربائية على دمشق، بل يمتد إلى مختلف المحافظات:
حلب (حي الأعظمية): ساعة وصل واحدة يومياً، مع تأخر واضح في صيانة الأعطال.
إدلب: تراجع من تغذية شبه كاملة إلى تقنين قاسٍ لا تتجاوز ساعات الوصل ست ساعات يومياً.
طرطوس: وضع أفضل نسبياً، مع ساعات وصل طويلة خلال الليل.
درعا: تحسّن ملحوظ، حيث يؤكد السكان أن الكهرباء باتت مستقرة مقارنة بالمراحل السابقة.
هذا التفاوت الحاد يثير تساؤلات متزايدة حول عدالة توزيع الكهرباء ومعايير إدارة الشبكة في مرحلة يفترض أن تُبنى فيها الثقة على المساواة والاستجابة.
مشاريع إصلاح… وحلول بعيدة:
في موازاة الشكاوى، أعلنت الحكومة عن خطوات إصلاحية، أبرزها توقيع مشروع لإصلاح خطوط الربط الكهربائي بتمويل من البنك الدولي بقيمة 146 مليون دولار، على شكل منحة، يهدف إلى إعادة تأهيل البنية التحتية وتحسين كفاءة الشبكة.
غير أن هذه المشاريع تُعد متوسطة وطويلة الأمد، فيما ينتظر السكان حلولاً أقرب تعيد انتظام الكهرباء وتخفف الأعباء اليومية.
وزارة الطاقة تبرّر التراجع:
في ردها على الانتقادات، أوضحت وزارة الطاقة أن منظومة الكهرباء تمر بمرحلة انتقالية حساسة ضمن خطة إصلاح شاملة، مشيرة إلى أن التحسن الذي أعقب التحرير كان نتيجة تشغيل إسعافي لبعض مجموعات التوليد.
وأكدت الوزارة أن أعمال الصيانة العميقة وإعادة التأهيل استدعت إيقاف بعض الوحدات مؤقتاً، ما انعكس على ساعات التغذية، إضافة إلى الضغط الكبير الناتج عن عودة السكان والنشاط الاقتصادي، في ظل قدرة إنتاجية لا تزال أقل من حجم الطلب.
وبشأن التفاوت بين المناطق، قالت الوزارة إن توزيع الكهرباء يخضع لمعايير فنية وتشغيلية، تشمل:
جاهزية الشبكات والمحطات
حجم الضرر في البنية التحتية
القدرة الاستيعابية لخطوط النقل
وجود أحمال حيوية كالمشافي ومحطات المياه
وأكدت أن دمشق وريفها تواجهان ضغطاً مضاعفاً بسبب الكثافة السكانية العالية، ما يفرض برامج تقنين مختلفة للحفاظ على استقرار الشبكة.
بين الوعود والواقع:
بين تحسّن مؤقت سرعان ما تراجع، ووعود حكومية لم تتحوّل بعد إلى واقع ثابت، تبقى الكهرباء بالنسبة للسوريين مؤشراً يومياً لصدق التغيير الموعود، وملفاً مفتوحاً على أسئلة أكبر من ساعات الوصل والقطع، بانتظار أفعال تُنهي زمن الوعود المؤجّلة.
إقرأ أيضاً: الكهرباء بعد التحرير: هل يدفع السوريون ثمن العدالة أم عبء الفجوات المالية؟