أستراليا تحظر “تيك توك” وفيسبوك على الأطفال.. هل تلحق الدول العربية بالركب؟
أصدرت أستراليا قرارًا جريئًا قد يُغير وجه استخدام الإنترنت عالميًا، حيث فرضت حظرًا صارمًا على الأطفال دون سن 16 عامًا من الولوج إلى عمالقة التواصل الاجتماعي مثل تيك توك وفيسبوك، بالإضافة إلى 8 منصات كبرى أخرى مثل يوتيوب وإنستجرام. هذا القرار، يأتي بمثابة سابقة عالمية، مع تهديد المنصات بغرامات مالية ضخمة قد تصل إلى 49.5 مليون دولار أسترالي (33 مليون دولار أمريكي) في حال المخالفة.
حماية الشباب أم تقييد للحريات؟ دوافع قانون “ألبانيزي”
الهدف المعلن من وراء هذا القانون، بحسب رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي، هو “دعم الشباب الأسترالي وتخفيف الضغط” الناتج عن الخوارزميات التي لا تتوقف. وفي رسالة موجهة للطلاب، دعا ألبانيزي إلى استثمار العطلات المدرسية في الأنشطة الواقعية بدلاً من التصفح اللانهائي على الهواتف، مشجعًا على ممارسة الرياضة وتعلم الآلات الموسيقية والتواصل “وجهًا لوجه”.
هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ؛ فقد جاءت بعد سنوات من الجدل، خاصة عقب تسريبات وثائق لشركة ميتا (المالكة لفيسبوك وإنستغرام) كشفت عن علم الشركة بأن منتجاتها ساهمت في مشكلات تتعلق بصورة الجسم لدى القصر. وبينما رحب الآباء والمدافعون عن حقوق الأطفال بالقرار، وجهت شركات التكنولوجيا الكبرى ومدافعون عن حرية التعبير انتقادات للقانون.
خبير يؤكد:
نقلت رويترز عن تاما ليفر، أستاذة دراسات الإنترنت، قولها إن “أستراليا هي أول من يقر مثل هذه القيود، لكنها لن تكون الأخيرة على الأرجح”، في ظل تفكير دول من الدنمارك وماليزيا وحتى بعض الولايات الأمريكية في إجراءات مماثلة.
صدى الجدل يلامس الشاطئ العربي: تحديات التطبيق والمطالبات الشعبية
سرعان ما وصل صدى هذا القرار إلى العالم العربي، الذي يتميز بتركيبة سكانية شابة للغاية؛ إذ يشكل من هم دون سن 35 عامًا نسبة 62.8% من السكان. هذا الشباب يمثل قوة دافعة وراء الطفرة الهائلة في استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
أرقام ضخمة:
ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت في المنطقة إلى نحو 348 مليون شخص (70.2% من السكان)، بينما وصل عدد مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي إلى 228 مليون مستخدم (46% من السكان).
منافسة المنصات:
تيك توك يكتسح منطقة الخليج (السعودية، الإمارات، الكويت…) والعراق ولبنان.
فيسبوك يحافظ على سيطرته في دول شمال إفريقيا (الجزائر، ليبيا، تونس، المغرب).
يوتيوب يتصدر في مصر والأردن وعُمان.
مع هذا الانتشار، تساءل كثيرون في المنطقة عن مدى واقعية وصعوبة تطبيق مثل هذا الحظر. فرغم وجود دعوات لتطبيقه في بعض الدول، إلا أن الأغلبية أشارت إلى التحديات الكبيرة التي تواجه جهود التنفيذ في سياق يغلب عليه سهولة الوصول الرقمي.
مطالبات شعبية بـ “إنقاذ الجيل”
على الصعيد الشعبي والإعلامي في الدول العربية، تباينت ردود الأفعال، لكن صوت التأييد لمنع أو تقييد وصول الأطفال كان مرتفعًا، متزامنًا مع المخاوف التي أثيرت في أستراليا نفسها:
ترحيب حار:
عبر العديد من رواد منصات التواصل وخبراء التربية العرب عن تأييدهم التام للقرار الأسترالي، معتبرين أنه يمثل “خطًا فاصلاً طال انتظاره”. وطالب مغردون بضرورة أن “يتبع المزيد من الدول هذا المثال” نظرًا للأضرار الواضحة التي تلحق بالأطفال.
القلق التربوي:
شدد خبراء على أن الحظر ليس حربًا على التكنولوجيا، بل هو رد فعل على دراسات واسعة أثبتت التأثيرات السلبية.
مخاطر نفسية وأخلاقية:
أشار المشاركون في النقاشات الإعلامية إلى أن قضاء الأطفال ساعات طويلة (تصل إلى 5 أو 10 ساعات) على المنصات يزيد من معدلات القلق بنسبة تصل إلى 60% مقارنة بالطفل العادي.
تدهور أكاديمي: نُقلت حالات لأهالٍ يشتكون من تدني التحصيل الأكاديمي لأبنائهم بشكل مباشر بسبب الإفراط في استخدام الأجهزة.
المحتوى غير الآمن:
أكد الآباء على خطورة الخوارزميات التي تعرض محتوى غير أخلاقي للأطفال، والتي يصعب السيطرة عليها بمجرد الفتح الأول.
باختصار، يمكن وصف رد الفعل الشعبي العربي بأنه إيجابي إلى حد كبير تجاه الفكرة، مع التسليم بـ صعوبة التطبيق على أرض الواقع في ظل غياب آليات التحقق الصارمة على المستوى الرسمي.
العقبة الكبرى: كيف نتحقق من العمر؟
يبقى السؤال الأهم والأكثر إلحاحًا، سواء في أستراليا أو في أي دولة تفكر في الاقتداء بها، هو: ما هي أدوات التحقق الموثوقة من العمر؟
تعهدت جميع المنصات العشر المشمولة بالحظر (باستثناء منصة “إكس”) بالالتزام، معتمدة على آليات تقدير العمر التي قد تشمل:
الاستدلال العمري: تخمين عمر المستخدم بناءً على نشاطه على الإنترنت.
تقدير العمر بالصورة: تقنية تعتمد عادةً على تحليل صورة شخصية.
وثائق الهوية/الحساب المصرفي: التحقق من وثائق تم تحميلها أو تفاصيل مرتبطة بالصفحات.
ثغرات تقنية:
تقرير موسع لشبكة “إيه بي سي” الأسترالية كشف عن دراسة مشتركة بين جامعتي ملبورن وبرينستون أشارت إلى أن أدوات تقدير العمر عبر الوجه يمكن خداعها بسهولة. فقد تمكن الباحثون من تجاوزها باستخدام أقنعة أو تعابير وجه مضحكة أو حتى شخصيات لألعاب الفيديو، مما يثير شكوكًا حول فعالية هذه الإجراءات في صد الأفراد العازمين على التحايل على القانون.
هل ستنجح أستراليا في تطبيق حظرها، وهل ستكون هذه هي الإشارة التي ينتظرها العالم العربي لبدء تقنين استخدام أطفاله لوسائل التواصل الاجتماعي؟