تصاعد الهجمات المسلحة وتنامي نشاط داعش في مناطق سيطرة الحكومة السورية

داما بوست -خاص

أولًا: مشهد أمني متدهور في الشمال والوسط السوري:

تشهد مناطق متفرقة من ريف حلب وإدلب ووسط سوريا تصاعدًا ملحوظًا في الهجمات المسلحة، استهدفت قوات تابعة للحكومة السورية الجديدة، وسط مؤشرات متزايدة على نشاط خلايا تنظيم داعش داخل مناطق يفترض أنها خاضعة لسيطرة أمنية مباشرة.

أحدث هذه الهجمات وقع اليوم على الطريق الواصل بين دارة عزة ودير سمعان بريف حلب الغربي، حيث أُصيب عدد من عناصر “الفرقة 80” التابعة لوزارة الدفاع بجروح، إثر إطلاق نار نفّذه مسلحان يستقلان دراجة نارية، لاذا بالفرار باتجاه الشمال. ووفق مصادر محلية، كان المهاجمان يرتديان ملابس سوداء، في نمط يتكرر في عمليات سابقة.

ثانيًا: هجمات متسلسلة وتبنٍّ صريح من داعش:

خلال الأيام القليلة الماضية، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن عدة عمليات نوعية، أبرزها:

1- كمين معرّة النعمان (4 كانون الأول): مقتل أربعة عناصر من إدارة أمن الطرق التابعة للأمن العام.

2- هجوم سراقب (28 تشرين الثاني): استهداف عنصرين من الجيش السوري، مقتل أحدهما وإصابة الآخر، بحسب بيان وكالة “أعماق”.

3- تفجير دير حسان بريف إدلب الشمالي (9 كانون الأول): اغتيال مسؤول قضائي بعبوة لاصقة.

4- كمين الزربة ريف حلب الجنوبي (3 كانون الأول): مقتل عنصرين من الضابطة الجمركية أثناء مرافقة شاحنة ترانزيت.

هذه العمليات، المتقاربة زمنيًا والمتنوعة جغرافيًا، تعكس قدرة التنظيم على الحركة والتنفيذ داخل مناطق تخضع لسيطرة الحكومة السورية، لا في مناطق نزاع مفتوح فقط.

ثالثًا: استجابة أمنية رسمية… ولكن:

أعلنت وزارة الداخلية السورية تنفيذ عمليات أمنية في إدلب بالتعاون مع جهاز الاستخبارات العامة، أسفرت عن:

1- مداهمة مواقع لخلايا داعش في الدانا وغرب إدلب

2- ضبط أسلحة وأحزمة ناسفة وعبوات متفجرة

3- مقتل عنصرين بعد رفضهما الاستسلام

4- اعتقال عدد من المشتبه بهم وإحالتهم للقضاء

ورغم هذه العمليات، استمر وقوع الهجمات، ما يثير تساؤلات حول فعالية الرصد الاستخباراتي والاختراق الأمني داخل المؤسسات نفسها.

رابعًا: هجوم تدمر… اختراق من الداخل:

يمثل الهجوم الذي وقع قرب مدينة تدمر نقطة تحول خطيرة، حيث قُتل جنود أمريكيون وسوريون في هجوم نفّذه عنصر من قوات الأمن السورية نفسه.

وبحسب المعطيات:

1- المنفّذ كان عنصرًا أمنيًا من ريف حلب

2- شقيقه قُتل سابقًا على يد القوات الأمريكية بعد انتمائه لتنظيم داعش

3- الهجوم وقع خلال اجتماع أمني مع الجانب الأمريكي

هذه الحادثة تكشف فشل آليات التدقيق الأمني داخل الأجهزة الجديدة، وتؤكد أن الخطر لم يعد محصورًا بخلايا خارجية، بل داخل البنية الأمنية ذاتها.

خامسًا: داعش يكفّر أحمد الشرع ويعتبره “مرتدًا”:

إلى جانب العوامل الأمنية والتنظيمية، يبرز البعد الأيديولوجي كعامل محفّز لتصاعد نشاط تنظيم داعش داخل مناطق سيطرة الحكومة السورية الجديدة. فبحسب متابعات إعلامية وأمنية، صنّف تنظيم داعش الرئيس الانتقالي أحمد الشرع ضمن خانة “المرتدين”، على خلفية انضمام حكومته إلى “التحالف الدولي” لمحاربة التنظيم والتنسيق الأمني المباشر مع الولايات المتحدة.

ويُعدّ هذا الموقف امتدادًا لنهج داعش تجاه أي سلطة محلية أو فصيل يقبل بالتعاون مع أطراف دولية، خصوصًا الولايات المتحدة، إذ يعتبر التنظيم أن هذا التعاون “نقضٌ للبيعة” و”خروج عن نهج الجهاد”، ما يشرعن وفق أدبياته استهداف تلك القيادات وعناصرها أمنيًا وعسكريًا.

ويرى مراقبون أن هذا التصنيف التكفيري يرفع منسوب التهديد، ليس فقط عبر الهجمات المباشرة، بل من خلال تشجيع الذئاب المنفردة والخلايا النائمة داخل المؤسسات الأمنية نفسها على تنفيذ عمليات انتقامية، كما حدث في هجوم تدمر الذي نفّذه عنصر أمني من داخل الجهاز.

وبذلك، لا يواجه أحمد الشرع تحديًا أمنيًا تقليديًا فحسب، بل صراعًا مفتوحًا مع تنظيم يرى في حكومته “خصمًا عقائديًا”، ما يجعل أي تقصير في التدقيق الأمني أو إعادة هيكلة المؤسسات خطرًا مضاعفًا قد يُستغل من قبل التنظيم لتوجيه ضربات نوعية من الداخل.

سادسًا: لماذا يتزايد نشاط داعش في مناطق سيطرة الحكومة؟

1. هشاشة الأجهزة الأمنية الجديدة

الحكومة الانتقالية أعادت تشكيل الجيش والأمن بعد سقوط النظام، معتمدَة على فصائل سابقة ومقاتلين غير متجانسين. هذا خلق:

ضعف الانضباط

تفاوتًا في العقيدة الأمنية

قابلية عالية للاختراق الأيديولوجي

2. الولاء بدل الخبرة (وفق نيويورك تايمز)

تقرير نيويورك تايمز أشار بوضوح إلى أن:

التعيينات العسكرية تعتمد على الولاء الشخصي والديني

تهميش آلاف الضباط المنشقين ذوي الخبرة

ترقية قادة يفتقرون للتعليم العسكري الأساسي

هذا النهج يضعف الاحتراف العسكري، ويخلق فراغًا تستغله التنظيمات المتطرفة.

3. بيئة حاضنة للخلايا النائمة

عوامل تساعد داعش على إعادة التموضع:

تداخل الفصائل سابقًا

وجود عناصر ذات خلفيات متشددة داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية

ضعف الرقابة المجتمعية

إرث طويل من العنف والاقتصاد الهش

4. داعش يغيّر تكتيكه

لم يعد التنظيم يعتمد على السيطرة المكانية، بل على:

هجمات خاطفة

اغتيالات نوعية

دراجات نارية وخلايا صغيرة

استهداف الطرق والدوريات

وهي تكتيكات منخفضة الكلفة وصعبة الرصد.

5. تحوّل جغرافي في نشاط داعش: من البادية إلى مراكز المدن

تركّز نشاط تنظيم داعش خلال السنوات الأخيرة، وقبل سقوط نظام بشار الأسد، بشكل أساسي في البادية السورية والمناطق الصحراوية المفتوحة، حيث اعتمد التنظيم على الكمائن واستهداف الأرتال العسكرية ضمن بيئة جغرافية رخوة نسبيًا.

إلا أن المعطيات الميدانية الأخيرة تشير إلى تحوّل لافت في نمط العمليات، إذ اتسعت رقعة تنفيذ الهجمات لتشمل مراكز المدن والمناطق المأهولة بالسكان، كما في إدلب وريف حلب ووسط البلاد، ما يعكس وجود تواصل فعّال وسلس بين خلايا التنظيم، وقدرته على التحرك والتنفيذ في بيئات يُفترض أنها أكثر ضبطًا أمنيًا.

ويرى مراقبون أن هذا التحوّل لا يمكن فصله عن الاختراق الواسع الذي تعاني منه المؤسستان الأمنية والعسكرية في الحكومة الانتقالية، سواء على مستوى ضعف التدقيق الأمني، أو غياب الهيكلة الاحترافية، أو الاعتماد على تشكيلات غير متجانسة أيديولوجيًا وتنظيميًا.

ويؤشر هذا الانتقال من الأطراف إلى العمق الحضري على أن داعش لم يعد يكتفي بالعمل في الهوامش، بل يسعى إلى إعادة فرض حضوره كتهديد مباشر داخل مناطق السيطرة الحكومية، مستفيدًا من الهشاشة الأمنية القائمة.

سابعًا: خلاصة استراتيجية:

ما تشهده سوريا اليوم ليس مجرد موجة هجمات معزولة، بل مؤشرات على:

1- عودة تدريجية لتنظيم داعش بصيغة مختلفة

2- فشل جزئي في ضبط الأجهزة الأمنية الجديدة

3- خطر حقيقي على التعاون الأمني مع الولايات المتحدة

ويبقى السؤال لأكثر إلحاحاً هل تستطيع الحكومة السورية الجديدة إعادة بناء مؤسسات أمنية وطنية، أم أن الولاء الأيديولوجي سيبقى ثغرة ينفذ منها داعش عملياته؟

إقرأ أيضاً: مخيمات عوائل داعش في شمال شرق سوريا… “قنابل موقوتة” تهدد الأمن الإقليمي والعالمي

إقرأ أيضاً: سوريا و”التحالف الدولي” لهزيمة داعش.. انعكاسات متشابكة على الداخل السوري

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.