لوموند: أحمد الشرع ومسار التحوّل في سوريا بعد الأسد
نشرت صحيفة “لوموند الفرنسية” في سلسلة “سوريا ما بعد الأسد” (الجزء 1 من 5) ملفا صحفيا مفصلا عن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الذي عرف سابقاً باسمه الحركي “أبو محمد الجولاني”.
وتصف الصحيفة مسار الرجل الذي انتقل من قيادة جيب متمرّد في إدلب إلى إدارة دولة منهكة بعد 14 عاماً من الحرب، معتبرةً أن “تحوّله غير مكتمل”، وأنه رغم إسقاطه نظام الأسد وكسر عزلة سوريا الدولية، ما زال عاجزاً عن نزع فتيل التوترات الطائفية والإثنية المتراكمة.
من إدلب إلى قلعة حلب… ثم دمشق
بتاريخ 29 نوفمبر، وقف الشرع مرتدياً بدلة رسمية ولحية مشذّبة فوق درجات قلعة حلب، خطابه قصير لكنه محكم. قبل عام فقط، دخل المدينة ببزّة عسكرية كقائد لـ“هيئة تحرير الشام” ذات التوجّه السلفي المتشدّد، معلناً بدء “سوريا الجديدة”.
وبعد أيام، في 8 ديسمبر 2024، سيطر على دمشق وأنهى خمسة عقود من حكم عائلة الأسد، مستعيداً اسمه الحقيقي.
ومن موقع زعيم فصيل، وجد نفسه فجأة رئيساً انتقالياً لدولة منهكة.
صعود دبلوماسي… وولاءات جديدة
تقول لوموند إن الشرع بات يُعامَل إقليمياً ودولياً بوصفه “رجل اللحظة” في غياب بديل واقعي.
منحه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دعماً سياسياً، فيما استقبله دونالد ترامب في البيت الأبيض كأول رئيس سوري يدخل المبنى.
يتجنب الشرع الارتهان لتركيا، ويعزّز علاقاته بالسعودية، ويقبل التفاوض مع “إسرائيل”، ويتباحث مع “قسد” لدمج القوات الكردية، وينخرط رسمياً في التحالف الدولي ضد “داعش”.
الدبلوماسيون الذين يزورونه، وفق الصحيفة، يرونه “بارعاً تكتيكياً، شديد الحزم، يحب السلطة ويحسب كل خطوة”.
“إسلامي سابق”… يحاول إدارة دولة متنوعة
رغم قاعدته الاجتماعية السنية المحافظة، يعد الشرع بحماية التعددية الدينية والعرقية، وبالعفو عمّن لم يتورّط بدماء.
يعتمد خطاً دينياً معتدلاً يثير غضب السلفيين، وترافقه زوجته لطيفة الدروبي بدور “السيدة الأولى”.
باحثون نقلت عنهم الصحيفة يجمعون على أن الشرع أدرك أن حكم سوريا لا يمكن أن يتم برؤية متشددة، وأنه تعلّم من تجربة إدارة إدلب وأخطاء طالبان. لكن هذا التحول أثار تململ مقاتليه القدامى.
من طفولة هادئة… إلى التطرّف ثم الانفصال عنه
ولد الشرع في حي المزة، لأسرة متعلمة ومنضبطة. جدّه كان من مقاومي الانتداب الفرنسي، ووالده خسر أرضاً في الجولان، ما دفع الابن لاحقاً إلى تبني لقب “الجولاني”.
مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية وصعود الإسلام السياسي، ازداد التزامه الديني. وفي 2003 توجّه سراً للعراق لينضم إلى جماعات سلفية، ثم إلى “القاعدة”. اعتُقل وسُجن في أبو غريب، ثم خرج مع بداية الثورة السورية.
أسّس “جبهة النصرة” بتمويل من البغدادي، وانفصل عن “داعش” عام 2013، ثم عن “القاعدة” لاحقاً، قبل أن ينشئ “هيئة تحرير الشام” ويقيم إدارة محلية في إدلب تُعد الأكثر تنظيماً في البلاد.
الانقضاض على النظام… بغطاء تركي وحسابات دقيقة
بين 2019 و2024، بنى قوّة عسكرية في إدلب، مستفيداً من انشغال روسيا في أوكرانيا وحزب الله في الحرب مع “إسرائيل”.
ثم قاد هجوماً واسعاً في نوفمبر 2024 بغطاء تركي واتفاقات داخلية مع ضباط من النظام.
سقطت حلب وحماة وحمص تباعاً، وفرّ الأسد إلى موسكو.
وأعلنت الفصائل الشرع رئيساً انتقالياً في يناير 2025، متعهداً بانتخابات خلال أربع سنوات ودستور جديد.
حكم مركزي… ودائرة ضيقة
وفق لوموند، تُتخذ القرارات داخل دائرة صغيرة من 5–6 أشخاص، بينهم شقيقاه ماهر وحازم.
ورغم إشراك خبراء إداريين، تبقى مفاصل الدولة بيد رجاله من إدلب. وتُلاحظ مراكز نفوذ موازية داخل الوزارات، ما يخلق انطباعاً بالارتباك وضعف القدرة على التفويض.
اختبار السلطة: مجزرة الساحل واحتجاجات الجنوب
تراجعت سيطرة الشرع خارج العاصمة حيث تنتشر فصائل مستقلة وتتمسك الأقليات بالحكم الذاتي.
وفي مارس واجه أول اختبار كبير: تمرّد علوي في الساحل انتهى بقمع عنيف خلّف نحو 1400 قتيل معظمهم مدنيون، ما فشلت لجنة التحقيق اللاحقة في احتواء تداعياته.
كما فشلت محاولات التهدئة مع الكرد، وتصاعد غضب الدروز بعد هجوم دموي على السويداء، وصولاً إلى تدخل إسرائيلي لوقف تقدم القوات الحكومية.
اقتصاد منهك… بلا رؤية واضحة
تقدّر كلفة إعادة الإعمار بـ216 مليار دولار، وأكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر.
الخليجيون سدّوا فجوات عاجلة في الرواتب والطاقة، لكن لا وجود لخطة اقتصادية واضحة. ويعوّل الشرع على الاستثمارات الخليجية، فيما تعرقل العقوبات الأمريكية التدفق المالي.
يرى باحثون أن الاستقرار السياسي هو الشرط الأول لجذب الاستثمار، وأن طريقة إدارة الشرع لسوريا تعيد إنتاج نمط حكم إدلب الذي يهدد التجربة بالفشل.
اقرأ أيضاً:عام على الوعود… والشارع ما زال بلا أمان: السوريون بين تصريحات الحكومة وواقع الخوف
اقرأ أيضاً:الشرع: سنعيد سوريا قوية وعادلة