التعليم الخاص في سوريا… أقساط بالدولار ومنح ملغاة

يشهد التعليم الجامعي الخاص في سوريا واحدة من أكثر مراحله تعقيدًا منذ تأسيسه، مع ارتفاع كبير في الأقساط وربطها بالدولار، وإلغاء المنح الدراسية التي كانت تشكل الملاذ الأخير للطلاب المتفوقين وذوي الدخل المحدود. وبينما تتحدث الجهات الرسمية عن “تنظيم القطاع” و”تعزيز العدالة الأكاديمية”، يجد كثير من الطلاب أنفسهم اليوم أمام خيارين أحلاهما مرّ: الاستمرار في دفع تكاليف تفوق قدرتهم، أو الانسحاب من مقاعد الدراسة.

في جامعة الشام الخاصة بدمشق، لا تدور النقاشات بين الطلاب حول الامتحانات والمشاريع، بل حول الأقساط التي تحددها الجامعات بالدولار. تقول بثينة قلوع، طالبة الطب، إن قسط الفصل الدراسي ارتفع من ما يعادل 230 دولارًا العام الماضي إلى 2500 دولار. وتضيف: “حتى لو سمحوا بالدفع بالليرة، فالسعر مربوط بسعر الصرف ويتغير كل يوم. أشعر أن دراسة الطب أصبحت امتيازًا لمن يستطيع الدفع فقط”.

هذه الشكوى ليست فردية، بل تمثل نقطة البداية لأزمة أوسع نشأت بعد حزمة قرارات جديدة أصدرها مجلس التعليم العالي، تضمنت تحديد الأقساط بالدولار وإلغاء نظام المنح بالكامل. بالنسبة لطلاب كانوا يعتمدون على المنح لمتابعة تعليمهم، شكّل القرار صدمة غير متوقعة.

أسامة عبد القادر، طالب الهندسة المعمارية في جامعة القلمون، يقف أمام جدول الأقساط على هاتفه ويقول: “القسط تجاوز ثلاثة آلاف دولار. راتب والدي لا يتجاوز مئة دولار. لا منح، ولا تقسيط طويل الأمد… لا أعرف كيف سأكمل”.

وفي الجامعة العربية الدولية، تعبّر شيماء البكري، طالبة إدارة الأعمال، عن مخاوف مشابهة: “الجامعات لديها تكاليف، وهذا مفهوم. لكن أين دور الدولة؟ كان يمكن استبدال المنح بدعم جزئي أو قروض طلابية. الآن أصبح الطريق مغلقًا أمام الطالب الفقير”.

إلغاء المنح لم ينعكس فقط على الظروف المادية، بل طال شعور الطلاب بحافزهم ومستقبلهم. ريتا الصواف، طالبة طب الأسنان في جامعة اليرموك، كانت قد حصلت على منحة تغطي 75% من القسط. تقول: “كانت المنحة اعترافًا بجهدي. اليوم أواجه خيارين: أن أدفع كامل القسط أو أنسحب. أشعر بأن كل ما عملت لأجله يتبخر”.

أرقام جديدة… وتحديات أعمق

تشير بيانات مجلس التعليم العالي إلى وجود 39 جامعة خاصة و11 جامعة حكومية، بينما لا تتجاوز نسبة الطلاب في الجامعات الخاصة 5% من الإجمالي، رغم ازدياد الطلب على المقاعد الجامعية. ويبلغ عدد طلاب الجامعات الخاصة نحو 80 ألف طالب، أي 18% من مجموع طلاب التعليم العالي.

الرسوم الجديدة وضعت سقفًا موحدًا بالدولار:

  • الطب البشري: 50 دولارًا للساعة (1250 دولارًا للفصل تقريبًا)

  • طب الأسنان: 45 دولارًا للساعة

  • الصيدلة: 40 دولارًا للساعة

  • الهندسات: 30 دولارًا للساعة

  • باقي التخصصات: 15 دولارًا للساعة

  • رسوم المعاهد الطبية: 20 دولارًا للساعة

  • الفنون: 400 دولار سنويًا

  • اللاهوت في جامعة بلاد الشام: 200 دولار

  • دراسات عليا (الأكاديمية السورية): 400 دولار

  • دراسات عليا (جامعة بلاد الشام): 500 دولار

هذه الأرقام، وفق أكاديميين، تعكس اعتماد الجامعات على مواردها الذاتية في ظل تضخم كبير وضعف التمويل الحكومي. لكنّ كثيرين يرون أن تنظيم القطاع لا يعني حرمان المتفوقين وغير القادرين من حق التعليم.

بين موقف الوزارة وانتقادات الخبراء

محمد سويد، معاون وزير التعليم العالي لشؤون التعليم الخاص، يوضح أن إلغاء المنح يأتي ضمن “تنظيم القبول وتحقيق العدالة بين الطلاب”، لافتًا إلى أن الوزارة تفتقر لآليات رقابة فعّالة، لكنها تعمل على تطوير منظومة التشريعات.

غير أن أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، عدنان السليمان، يرى في القرار “تعبيرًا عن واقع اقتصادي صعب”، لكنه يحمّل الوزارة مسؤولية غياب البدائل: “إلغاء المنح بالكامل يضرب مبدأ تكافؤ الفرص. كان يمكن تنظيمها بدلًا من إنهائها. الحل في قروض طلابية أو صندوق دعم تموله الجامعات والمصارف”.

أما الدكتور إسماعيل الحلقي، عضو هيئة تدريسية في جامعة خاصة، فيعتبر أن “التسعير بالدولار أعاد بعض الاستقرار للجامعات، لكن إلغاء منح المتفوقين سيؤدي إلى خسارة كفاءات مهمة”.

خوف من نزيف طلابي نحو الجامعات الحكومية

يتوقع مراقبون أن تتراجع أعداد الطلاب في الجامعات الخاصة بشكل حاد، مع عودة بعضهم إلى الجامعات الحكومية المكتظة أصلًا، أو تركهم التعليم بشكل كامل. وبينما تبرر الوزارة قراراتها بـ”تحقيق العدالة”، يرى الطلاب أن العدالة لم تعد ملموسة.

وتختصر بثينة قلوع الأزمة بقولها: “لا نطالب بالدراسة مجانًا، فقط نريد أن تكون التكاليف منطقية… لا يمكن محاسبتنا بالدولار بينما دخلنا بالليرة”.

في ظل هذه المعادلة المعقدة، يتواصل الجدل حول مستقبل التعليم الخاص في سوريا، وعما إذا كانت القرارات الحالية ستؤدي إلى تطوير القطاع، أم ستزيد الفجوة بين من يستطيعون الدفع ومن يُحرمون من حقهم في التعليم.

اقرأ أيضاً:إضراب معلمي ريف حلب: ترقب مشروط ومستقبل تعليمي معلق

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.