هل تحول الانفتاح التجاري مع تركيا إلى عبء يهدد الصناعة في سوريا؟

بعد عام من سياسة “التحرير الاقتصادي” التي اعتمدتها الحكومة السورية، وخاصة في ملف التجارة مع دول الجوار، تتكشف ملامح مشهد اقتصادي أكثر تعقيدًا مما كان متوقعًا. فبينما روّجت الحكومة لخطوات الانفتاح التجاري بوصفها بوابة لإنعاش السوق وتوفير السلع، تشير المعطيات التجارية والاقتصادية لعام 2025 إلى أنها قد تحولت إلى مصدر ضغط إضافي على الصناعة الوطنية، وعبئًا متزايدًا على سوق العمل والقدرة الشرائية.

الباحثة الاقتصادية الدكتورة رشا سيروب قدّمت، عبر منشور مطوّل على “فيسبوك”، قراءة نقدية لهذه المرحلة، معتبرة أن ما جرى هو “تحرير اقتصادي غير مكتمل”، تمّ دون بناء شبكة حماية للإنتاج المحلي، الأمر الذي دفع الاقتصاد السوري نحو عجز تجاري قياسي مع تركيا وتراجع متسارع في مؤشرات الإنتاج والتشغيل.

عجز تجاري متفاقم… وميزان يميل بالكامل نحو الاستيراد

توضح سيروب أن البيانات التجارية للأشهر العشرة الأولى من عام 2025 تكشف اختلالًا واسعًا في الميزان التجاري السوري مع تركيا. فبينما ارتفعت المستوردات السورية من أنقرة بنحو 935 مليون دولار لتصل إلى 2.7 مليار دولار (زيادة 53%)، تراجعت الصادرات السورية باتجاه تركيا بمقدار 160 مليون دولار، بانخفاض وصلت نسبته إلى 46%.

النتيجة كانت ارتفاع العجز التجاري مع تركيا بنسبة 77% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، وهو ما تصفه الباحثة بأنه “دليل واضح على أن الانفتاح التجاري لم يخدم الإنتاج المحلي، بل عزز اعتماده على الواردات”.

وتطرح سيروب سؤالًا جوهريًا: هل أصبحت سياسة التحرير مجرد بوابة لتوسيع الاستيراد، بدلًا من خلق سوق متوازنة تدعم الإنتاج الوطني وتوفر منافسة عادلة للصناعيين؟

تهديد مباشر لسوق العمل وتصاعد البطالة

تعتبر الباحثة أن خطورة هذا الاختلال تتجاوز الأرقام لتصل إلى سوق العمل الذي يعاني أساسًا من معدلات بطالة مرتفعة.

فوفق تصريح سابق لوزير الاقتصاد والصناعة السوري نضال الشعار، بلغ معدل البطالة في البلاد 60%، بينما تقدّر المنظمات الدولية أن نسبة العاطلين عن العمل – بما فيها البطالة المقنّعة – تتراوح بين 65 و85%.

وعندما يتعرض الإنتاج المحلي لضربات متتالية بسبب زيادة الاستيراد وانخفاض الطلب، فإن ذلك يعني، بحسب سيروب، فقدانًا إضافيًا لفرص العمل، وإغلاقًا لمزيد من المصانع والورشات.

وتضيف أن تراجع النشاط الصناعي ليس مجرد قضية اقتصادية، بل قضية اجتماعية تمسّ ملايين الأسر التي تعتمد على العمل اليومي أو العمالة غير المستقرة.

ارتفاع الأسعار وانكماش القدرة الشرائية

وتلفت سيروب إلى أن القرارات الحكومية الأخيرة، خصوصًا تلك المتعلقة بإعادة هيكلة الدعم، زادت الضغط على المواطنين بدلًا من تخفيفه. فالزيادات الكبيرة في أسعار الخبز والنقل والخدمات جاءت بمستويات تفوق بكثير أي زيادة في الرواتب، مما جعل معظم الأسر تنفق الجزء الأكبر من دخلها على الاحتياجات الأساسية.

أما تحسن سعر صرف الليرة، وهو مؤشر يُفترض أن يكون إيجابيًا، فقد أثّر سلبًا—بحسب سيروب—على ملايين السوريين الذين يعتمدون على الحوالات الخارجية كمورد رئيسي للدخل، إذ تراجعت قيمتها الفعلية مع ارتفاع قيمة العملة، ما أضعف قدرة هذه الأسر على مواجهة التكاليف المتصاعدة.

تحرير قبل تمكين… وإنتاج بلا حماية

تشدد الباحثة على أن المشكلة ليست في الانفتاح بحد ذاته، بل في توقيته وطريقة تطبيقه. فالصناعة السورية، وفق تعبيرها، ليست جاهزة بعد لمواجهة منافسة مفتوحة مع أسواق ضخمة ومنتجات منخفضة التكلفة مثل السوق التركية.

وترى أن التحرير الاقتصادي يحتاج إلى تمكين حقيقي للإنتاج المحلي عبر تخفيض التكاليف، وتسهيل الاستثمار، وحماية الصناعيين من سياسات تفاجئهم دون سابق إنذار.

ومع ذلك، تشير سيروب إلى أن جزءًا من الأزمة يعود أيضًا لبعض الصناعيين والتجار الذين اعتادوا العمل ضمن بيئة قائمة على المحسوبيات والاحتكار، دون تطوير نماذج إنتاج تنافسية تعتمد الجودة والابتكار.

رؤية لإصلاح شامل… لا قرارات مجتزأة

تؤكد سيروب أنه لا يمكن بناء اقتصاد متوازن بسياسات متفرقة، فالسوق لا يستجيب لقرارات جزئية، بل لحزمة إصلاحية مترابطة تشمل:

  • السياسة المالية

  • السياسة النقدية

  • القوانين الناظمة للاستثمار

  • الحوافز الصناعية

  • سياسات التجارة والحماية

  • الدعم الاجتماعي

  • وتنظيم سوق العمل

وترى أن فتح باب الاستيراد بوصفه “قرارًا إصلاحيًا” يفقد قيمته عندما لا يرتبط بسياسات صناعية واضحة، ولا يُدرس أثره على الليرة، والبطالة، وسوق العمل، ومستوى الأسعار.

وتختتم بالتحذير من أن استمرار السياسات الحالية سيعيد إنتاج نفس عقلية الاقتصاد القديم: اقتصاد يرتجل ويبحث عن حلول يومية، بدل بناء رؤية استراتيجية طويلة الأمد تُقلّص التبعية وتمنح الصناعة السورية القدرة على المنافسة.

بهذه الخلاصات، يظهر أن عام التحرير لم يكن كافيًا لتحويل الانفتاح التجاري إلى رافعة للنمو، بل قد يكون—وفق البيانات والتحليلات المتاحة—قد عمّق نقاط الضعف الاقتصادية، ما لم تُعالج بسياسات تمكينية متسقة وبرنامج إصلاح حقيقي يوازن بين الانفتاح وحماية الإنتاج الوطني.

اقرأ أيضاً:أنبوب غاز أذري جديد عبر تركيا يزود سوريا بـ 3.5 مليون متر مكعب يومياً لتوليد الكهرباء

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.