تفكيك الشبكات الجهادية… مشروع دولي تتدفع سوريا أثمانه

داما بوست -إيليانا الدروبي

تبدو خريطة التنظيمات الإسلامية المتشددة اليوم أقرب إلى مشهد يعكس مساراً طويلاً من الاستثمار السياسي والاستخباراتي، أكثر مما يعكس واقعاً دينياً أو عقائدياً صافياً. فقد تحوّلت هذه التنظيمات عبر السنوات إلى بيئة خصبة لتجنيد آلاف الشباب الغاضب، منخرطين في معارك لا يفهمون دوماً خلفياتها، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف أدوات في صراعات تتجاوز أوطانهم.

هذا المشهد ألقى بظلاله على المدافعين الحقيقيين عن أراضيهم المحتلة، الذين باتوا في كثير من الأحيان هدفاً مباشراً للتطرف أو مادة للتشويه، فيما تراجع حضور قوى المقاومة التقليدية، وتشتتت الدول التي كانت تتبنى مواجهة الاحتلال أو الهيمنة. وبذلك، استفادت القوى الكبرى من تفكك الدول المناهضة لها، مقابل صعود أنظمة أكثر قرباً من السياسات الأميركية.

الجولاني… تحوّل سياسي أم انتقال وظيفي؟

التقارير التي صدرت خلال السنوات الأخيرة ومنها ما كشفه أيمن دين، العنصر السابق في القاعدة تشير إلى مسار معقد في علاقة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) بالقوى الإقليمية والدولية. ورغم عدم إمكانية التحقق المستقل من جميع الروايات، إلا أنّ المؤشرات العامة تعطي صورة أوضح عن تحوّل الشرع من قائد فصيل جهادي إلى لاعب سياسيأمني داخل المشهد السوري.

تشير تلك التقارير إلى:

1- تواصل مبكر بين الجولاني وجهاز الاستخبارات التركي منذ عام 2010.

2- انتقال لاحق نحو علاقة مباشرة مع واشنطن بعد عام 2018.

3- تغيّر خطابه من “الجهاد العالمي” إلى “الإدارة المحلية” و”مكافحة الفوضى”.

هذه التحولات تثير أسئلة جدّية حول طبيعة الدور الممنوح للجولاني اليوم، خصوصاً مع تبيض صورته إعلامياً وسياسياً، وتمكينه تدريجياً داخل بعض المناطق. وهو ما يطرح شكوكاً بشأن مدى استقلاله عن الأجندات الدولية، وبالأخص الأميركية.

هل تُعاد هندسة الخارطة الجهادية داخل سوريا؟

الواقع السوري يشير إلى أنّ عملية “تفكيك التطرف” التي تتحدث عنها واشنطن لا تسير بالضرورة نحو القضاء على جذوره، بقدر ما تبدو أقرب إلى إعادة صياغة وانتقال وظيفي للجماعات المتشددة، وتوجيهها نحو أدوار جديدة.

في هذا السياق، تطرح أسئلة كثيرة:

1- كيف يمكن لبيئة تسيطر عليها سلطات محلية ذات توجهات متشددة أن تكون جزءاً من مشروع “إعادة الاستقرار”؟

2- هل يؤدي تمكين شخصيات مثيرة للجدل مثل أحمد الشرع (الجولاني) إلى إعادة إنتاج التطرف بأشكال جديدة؟

3- ما مصير آلاف المعتقلين في غياب سلطة قضائية مستقلة؟

4- كيف يمكن للمكونات المحلية أن تشعر بالأمان وسط تصاعد الخطاب الطائفي، وتراجع الحريات الاجتماعية، وظهور مؤشرات فكرية مشابهة لمرحلة صعود التنظيمات الجهادية؟

هذه الأسئلة تزداد إلحاحاً مع بروز أنماط ضغط اجتماعي على النساء، وتنامي حضور الرموز الدينية المتشددة، وعودة بعض الشعارات المتطرفة في مناطق مختلفة.

سوريا بين مطرقة واشنطن وسندان السلطة المحلية:

خطورة المشهد تكمن في أنّ السياسات الأميركية الحالية لا تبدو مصممة لحماية سوريا، بل لإعادة ترتيب النفوذ في المنطقة بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها، وعلى رأسهم “إسرائيل”.

وفي المقابل، تبدو السلطة في سوريا ممثلة بالجولاني وفريقه عاجزة عن تقديم نموذج دولة حقيقية، أو حتى راغبة بذلك، بفعل بنيتها الفكرية وتاريخها العسكري، وهو ما يهدد بتحويل المنطقة إلى ساحة دائمة لإعادة تدوير التطرف.

النتيجة: سوريا تدفع الثمن… و”إسرائيل” تستفيد

النتيجة الأوضح اليوم هي أنّ سوريا تتحمّل العبء الأكبر:

تفكك اجتماعي متسارع

توتر طائفي متصاعد

جيل جديد يُعاد تشكيل وعيه ضمن بيئات متشددة

مشهد سياسي مرتهن لواشنطن وأنقرة

وسلطة محلية تفتقر إلى الشفافية وتعيد إنتاج أنماط القمع نفسها

بينما تظل المستفيدة الأولى من كل هذا التفكك هي “إسرائيل”، التي تراقب المشهد من مرتفعات الجولان، مستفيدة من حالة الانهاك السوري ومن غياب مشروع وطني قادر على مواجهة التحديات.

إقرأ أيضاً: اشتباكات بيت جن: تصعيد إسرائيلي غير مسبوق يكشف تحولات الجنوب السوري

إقرأ أيضاً: إسرائيل تسعى لفرض مناطق أمنية في غزة ولبنان وسوريا: تصعيد متدرّج وملفات مفتوحة على كل الاتجاهات

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.