جدل واسع بعد نشر وزارة الشؤون السورية رأياً شرعياً حول التسوّل
أثار منشور لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية على منصة “إكس” موجة جدل واسعة، بعد أن نشرت الوزارة مقطع فيديو بعنوان “رأي الشريعة الإسلامية في ظاهرة التسول”، قدّم خلاله الداعية عمر قبلان مقاربة دينية لكيفية التعامل مع المتسولين. الخطوة، التي بدت خارج السياق المعتاد لوزارة مدنية، فتحت نقاشاً حاداً تجاوز مضمون الفيديو ليصل إلى العلاقة بين الدين والسياسات الاجتماعية للدولة.
وسجّل المعلقون انتقادات حادة للوزارة، معتبرين أن المحتوى أقرب لاختصاص “وزارة الأوقاف” منه إلى الجهة المسؤولة عن إدارة ملفات الفقر والحماية الاجتماعية. وسأل البعض إن كانت الوزارة “اجتماعية أم دينية”، فيما ربط آخرون انتشار ظاهرة التسوّل بالأزمة المعيشية الخانقة، محذرين من أن ارتفاع أسعار الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وإنترنت يدفع مزيداً من السكان إلى حافة الفقر، وأن دور الوزارة يجب أن يتمحور حول خلق فرص عمل ودعم المشاريع الصغيرة بدلاً من تقديم فتاوى.

وذهبت فئات أخرى من الناقدين أبعد من ذلك، معتبرة أن الشريعة لا علاقة لها بتفسير أزمة اجتماعية معقّدة بهذه الطريقة، وأن ربط الفقر بالحلال والحرام “تبسيط مخلّ”. وشدد هؤلاء على أن التسوّل نتيجة مباشرة لتراجع الأوضاع الاقتصادية وضعف شبكات الحماية الاجتماعية، وأن مسؤولية الدولة الأساسية هي منع وصول المحتاج إلى مرحلة مدّ اليد، لا توجيه الناس إلى كيفية التعامل مع المتسول دينياً. فيما لجأ آخرون إلى السخرية، واصفين الفيديو بأنه أقرب إلى مشهد كوميدي منه إلى سياسة عامة، ورأوا أن الدولة “استنفدت حلول الأرض ولجأت للسماء”.
في المقابل، برز تيار يدافع عن خطوة الوزارة، معتبراً أن مخاطبة الجمهور من زاوية دينية أمر طبيعي في مجتمع محافظ، وأن الدين جزء من الحياة اليومية لكثير من السوريين. ورأى أصحاب هذا الرأي أن الفيديو لا يتعارض مع دور الوزارة بقدر ما يشكل جزءاً من حملة توعوية أوسع تهدف إلى الحد من التسوّل، متهمين المنتقدين بالمزايدة أو تحويل النقاش إلى صراع فكري لا علاقة له بالواقع.
ويتجاوز الجدل الدائر الفيديو بحد ذاته، إذ جاء في إطار حملة رسمية أعلنت عنها الوزارة تحت شعار “من حقهم أن نعطيهم فرصة”، وتشمل إطلاق شبكة مراكز لإيواء وإعادة تأهيل الأطفال المتسولين وعائلاتهم. وبحسب الإعلان الرسمي، افتُتحت خمسة مراكز في دمشق وريفها، ومركز واحد في حلب، مع وعود بالتوسع إلى محافظات أخرى. وتوفر هذه المراكز رعاية صحية وتعليماً أساسياً أو برامج محو أمية وتعويضاً للفاقد التعليمي، بالإضافة إلى دورات تدريب مهني للفئات الأكبر سناً، في محاولة لنقل الأطفال من الشارع إلى بيئة أكثر استقراراً رغم محدودية القدرة مقارنة بحجم الظاهرة.
وتتضمّن الخطة الحكومية كذلك مساراً قانونياً يبدأ من التبليغ عن حالات التسوّل، مروراً بتنظيم ضبط وتحويل الحالة إلى القصر العدلي لاتخاذ قرار بإيداع الطفل أو الأسرة في دار رعاية أو إعادتهم إلى ذويهم وفق تقييم اجتماعي. كما تشمل آلية تنسيق مشتركة بين وزارات الداخلية والعدل والصحة والتربية والأوقاف، إضافة إلى شراكات مع منظمات محلية ودولية.
وتراهن الوزارة على حملة توعوية إعلامية موسعة لشرح مخاطر التسول وطرق المساعدة الآمنة، عبر مقاطع مصوّرة من الشارع وآراء حقوقيين وخبراء في العمل الاجتماعي. وبينما تؤكد الوزارة أن الهدف هو الحد من الظاهرة عبر مقاربة متعددة المستويات، يبقى الجدل مفتوحاً حول مدى جدوى هذه السياسات، وحول دور الدين في فضاء السياسات العامة في بلد يعيش تحت ضغط اقتصادي واجتماعي غير مسبوق.
اقرأ أيضاً:نشاط دعوي مكثف يعيد تشكيل الهوية الدينية في سوريا