سنوات السوريين العجاف: أربع موجات هجرة متواصلة ونزف ديموغرافي

يشهد المشهد السوري نزفًا ديموغرافيًا مستمرًا وموجات هجرة متتابعة، وهو ما يعكس، بحسب تقرير لـ “اندبندت عربية”، اضطرابًا شاملًا في بنية الدولة ومرافقها منذ انطلاق شرارة الحرب عام 2011.

لقد تحولت مفاهيم الرحيل والهجرة من خيارات ظرفية إلى سمة جماعية، حيث يقدر عدد المهجرين خارجيا بـ 7 ملايين، والنازحين داخليا بـ 6 ملايين، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من المهاجرين بعد سقوط النظام أواخر عام 2024.

الهجرات السورية الثلاث قبل السقوط

يمكن تقسيم موجات الهجرة الكبرى التي سبقت سقوط نظام البعث إلى ثلاث مراحل متميزة في دوافعها، ووفقاً للتقرير، هي كالتالي:

موجة الهجرة الأولى (2012-2013): الهروب من الموت

كانت هذه هي الموجة الأكبر تاريخيًا، ودافعها الأساسي هو النجاة من العاصفة الدائرة من قتل وقصف واعتقال، ومن الانهيار المتعدد في المناحي الحياتية والاقتصادية والأمنية.لقد كانت هربًا من موت محدق.

موجة الهجرة الثانية (2015-2018): فتك الأسلحة وسيطرة “داعش”

استمرت هذه الموجة بعد دخول روسيا أواخر 2015، وتصاعدت حدتها مع سيطرة “داعش” على أكثر من 70% من الأراضي، واستخدام النظام وحلفائه أشد صنوف الأسلحة فتكًا.

موجة الهجرة الثالثة (2020-2024): النجاة من الجوع والظروف الاقتصادية

توقفت الهجرة مؤقتًا مع اتفاقيات خفض التصعيد عام 2018، لكنها عادت بقوة مطلع عام 2020، واستمرت حتى سقوط النظام.

  • ما يميزها: تختلف عن سابقتيها بكونها جاءت أساسًا تحت وطأة ظروف اقتصادية لا تُحتمل، حيث كانت هجرة للبحث عن حياة ومعيشة أفضل والنجاة من الموت جوعًا.
  • عوامل التزامن: تزامن هذا النزوح مع موجة كورونا، وتطبيق قانون قيصر الأمريكي واشتداد العقوبات الغربية، ما جعل الرحيل الملاذ الوحيد من الصراع الاقتصادي المفتوح.
  • التكوين الديموغرافي: طغى على هذه الهجرات الثلاث المكون السني الذي كان يمثل الحاضنة المناوئة للنظام، بالإضافة إلى مسيحيي سوريا الذين تراجعت أعدادهم بشكل كبير.

الهجرة الرابعة: خوف ما بعد سقوط النظام

جاءت الموجة الرابعة لتشكل مفاجأة، إذ تزامن تدفقها مع سقوط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024.

لم تكن هذه الهجرة هربًا من القصف والقذائف، بل من مخاوف مجتمعية وسياسية بالمقام الأول:

الدوافع الجديدة: الخوف من الوَسْم السياسي لأفراد كانوا جزءًا من النظام الخاسر (سياسيين، حزبيين، عسكريين، رجال أعمال، ومدنيين عاديين).

عناوين المرحلة: تدهور الأمن، تهاوي الردع، والخوف من القتل، الخطف، الثأر، الانتقام، والتغييب القسري في ظل ضعف السلطة ونشوة النصر الممزوجة بالملامح الطائفية.

الخوف المتحول: أدى سقوط المركز الثابت للحكم إلى إطاحة بالدولة نفسها، ما سمح بإعادة إنتاج الخوف بشكل بيني ومستديم، بعيدًا عن المرجعية السيادية، كما يشير التقرير.

الفراغ الأمني وضياع المرجعية: تشير شهادات السكان، مثل المهندس عمران صبوح والسيدة نجاح عصفور من حمص

إلى أن التيه والفراغ الأمني القائم حاليًا أدى إلى ضياع مرجعية القرار والحماية، وتحول القاضي إلى خصم محتمل، وصار الشعور بالاستضعاف والمهانة دافعًا رئيسيًا للرحيل.

التكوين الديموغرافي الجديد: يغلب على هذه الموجة الهاربة بعد السقوط الطائفة العلوية، يليهم مسيحيون ودروز، حيث يهربون من مستقبل يرون أنه يفتقر للضوابط.

لبنان… ملاذ بلا رعاية

يجد الهاربون من جحيم سوريا، وخاصة بعد مجازر الساحل في مارس (آذار) الماضي وعنف حمص وريف حماة، ملاذًا لهم في لبنان.

بينما تمكن كبار ضباط النظام السابق من السفر إلى روسيا وإيران ودول أخرى، يتبقى أولئك الذين لم يكونوا جزءًا من ماكينة الحرب ووجدوا أنفسهم يدفعون ثمن التحرير قتلًا عشوائيًا.

هؤلاء يعيشون “جثثًا تتنفس” في بلد لا يحظون فيه برعاية أو اهتمام حقيقيين، ولا حتى بصفة لاجئ.

 

اقرأ أيضاً:التشكيلات العسكرية في سوريا بعد سقوط النظام – الجزء الثاني

اقرأ أيضاً:دمشق بعد السقوط: فوضى ثقافية واجتماعية تُهدد العاصمة

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.