رفع العقوبات… بلا أثر: المواطن السوري ما زال في المنطقة الميتة

داما بوست -خاص

بعد سلسلة قرارات دولية رفعت أو علّقت جزءاً كبيراً من العقوبات المفروضة على سوريا خلال الأشهر الماضية.

كان يُفترض – نظرياً – أن يلمس المواطن السوري انفراجاً في حياته اليومية، أو حتى بوادر تحسن في الخدمات الأساسية.
لكن الواقع على الأرض يكشف مفارقة صارخة: الاقتصاد الكلي يتحرك… بينما حياة الناس ثابتة في مكانها، أو تنحدر نحو الأسوأ.

تخفيف العقوبات: خطوات كبيرة فوق… وصفر تغيير تحت

إعلان واشنطن تعليق العقوبات الشاملة على دمشق لمدة 180 يوماً، ومسار تشريعي واضح لإلغاء “قانون قيصر”، فتح الباب للحديث عن مرحلة اقتصادية جديدة.
شركات شحن ومرافئ دخلت على الخط، وعلى رأسها موانئ دبي العالمية DP World التي بدأت فعلياً إدارة مرفأ طرطوس، إلى جانب تدفق الغاز الأذري عبر تركيا لتغذية الشبكة الكهربائية شمالاً.

هذه التحركات الضخمة جعلت بعض المراقبين يتوقعون انعكاساً سريعاً على معيشة المواطن، من حيث الكهرباء، الأسعار، المياه، النقل، والبنية الخدمية.
لكن على مدار الأسابيع الماضية، بقي السؤال واحداً: إذا كانت العقوبات قد رُفعت… فما الذي يمنع انفراج حياة الناس؟

الكهرباء: الغاز يصل… لكن الضوء لا يصل إلى البيوت

على الورق، تدفق الغاز الأذري يعني زيادة إنتاج الكهرباء في محطات حلب والشمال، وتحسن التغذية نحو 6–9 ساعات في بعض المناطق.
لكن هذه “التحسينات” لم تصل إلى المدن الأخرى، إلا بعد رفع سعر الكهرباء إلى عشرات الأضعاف.

الأسعار: لا شيء يهبط… رغم تغيّر المناخ الدولي

رفع العقوبات لم يخفض الأسعار، ولم ينعش الليرة، ولم يحسّن قدرة المواطن الشرائية.
سعر المحروقات لا زال رهن تقلبات أسعار صرف الدولار مقابل الليرة السورية، بينما مواد أساسية كالسكر والزيت ارتفعت أسعارها بدل أن تنخفض.

النتيجة:

الأسواق تسير بمنطقها القديم: الندرة تصنع السعر، لا السياسة الدولية.

الماء والاتصالات والخدمات: خارج النقاش تماماً

رغم كل ما يقال عن “فتح أبواب الاقتصاد”، الجوهر الخدمي ما يزال كما هو:

مياه الحسكة: أزمة مستمرة، محطة علوك خارج الخدمة بمعظم الوقت.

الاتصالات والإنترنت: الأسعار ترتفع والخدمة تتراجع.

النظافة والبنى التحتية: أزمة قمامة، طرق متهالكة، فوضى سير، وانعدام استثمارات بلدية حقيقية.

الأمان المجتمعي: خطف، سلاح منفلت، جرائم، توتر شرقاً وغرباً.

هذه الملفات لا تُحل بالعقوبات ولا برفعها، لأنها أساساً نتاج انهيار الإدارة والخدمات داخل البلد قبل أن تكون نتيجة قرارات دولية.

التحسن “الفوقي” يتسارع… والتحسن “التحتاني” غائب

المشهد اليوم ينقسم إلى طبقتين واضحتين:

1- طبقة عليا تتحسن:

حركة المرافئ
اتفاقات الطاقة
ممرات الغاز
إعفاءات العقوبات
دخول شركات شحن دولية

2- طبقة دنيا تتدهور:

كهرباء غير مستقرة
نقص المياه
ارتفاع الأسعار
انهيار الخدمات
انعدام الأمان
بطالة وفقر متصاعدان

رفع العقوبات سمح للشركات بالعمل والاتفاقات بالتمدد، لكنه لم يُغيّر القاعدة التي يعيش عليها المواطن: الراتب، الخدمات، الأسعار، والأمان.

لماذا لا يشعر المواطن بأي تحسن؟

يمكن تلخيص الأسباب في ثلاثة محاور رئيسية:

أولاً: غياب الإدارة المحلية الفعّالة

ليست المشكلة في العقوبات فقط، بل في بنية خدمات مهترئة لا تملك القدرة على استقبال أي استثمار أو ترجمة أي تحسن خارجي إلى حياة الناس.

ثانياً: منظومة اقتصادية غير قادرة على تمرير الفوائد للمواطن

حتى عندما تتحسن موارد الدولة أو خطوط الطاقة، تبقى الفوائد محصورة في أعلى الهرم، لا تنزل إلى السوق ولا إلى العائلة السورية.

ثالثاً: بنية فساد مترسخة

أي تدفق مالي أو خفيف عقوبات يصطدم أولاً بشبكات النفوذ والاحتكار، قبل أن يفكر أحد بتحويل جزء منه إلى تحسين المعيشة.

الخلاصة:

رفع العقوبات خلق حركة دولية جديدة… لكنه لم يخلق حياة جديدة للمواطن السوري.
الغاز يأتي عبر تركيا، والمرافئ تُدار بطرق حديثة، والخطاب الأميركي يلين، لكن السوري ما يزال يعيش على ضوء شمعة، ويشتري ماءً بسيارته، وينتظر راتباً لا يغطي أسبوعاً واحداً من حياته.
رفع العقوبات قد يغيّر مستقبل سوريا، لكن الحاضر لا يزال أسير انقطاع الكهرباء، وانهيار الليرة، وغياب الدولة عن ملفات الخدمات الأساسية.
وحتى تصبح آثار الانفراج الدولي ملموسة، سيبقى المواطن السوري يعيش في منطقة بينية: الأخبار تبدو مشرقة… لكن الواقع مظلم.

 

إقرأ أيضاً: حين يسبق الغازُ الماء: لماذا لا يشعر السوريون بالتطبيع الاقتصادي؟

اقرأ أيضاً:الوضع الاقتصادي في سوريا 2025: انهيار، تحديات، وفرص إعادة الإعمار

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.