“معاناة معتقلي صيدنايا وما بعد الخروج: هل تنصف الثورة السورية من ضحوا بحرياتهم؟”
داما بوست -خاص
مقدمة:
منذ بداية الثورة السورية في عام 2011، ظهرت العديد من القصص المأساوية عن التعذيب والاعتقال في سجون النظام السوري، ولا سيما سجن صيدنايا الذي اشتهر عالميًا بأبشع الانتهاكات لحقوق الإنسان. لكن مع مرور الوقت، بدأ بعض الذين خرجوا من هذه المعتقلات بالتحدث عن معاناتهم، ليجدوا أنفسهم عرضة للهجوم والتشكيك، حتى من جانب الذين يعتبرون أنفسهم جزءًا من الثورة أو المعارضة.
رغيد الططري هو واحد من هؤلاء الأشخاص الذين تعرضوا للتشكيك بعد نجاته من سجون النظام السابق، بل والاتهام بالخيانة بسبب تصريحاته حول السجون وممارسات النظام. بدأ الططري، الطيار العسكري الذي تم اعتقاله في عام 1981 بسبب رفضه المشاركة في قصف المناطق المدنية، سرد معاناته وتوضيح الحقيقة حول سجن صيدنايا، لكن ذلك لم يشفع له أمام بعض المنتقدين الذين لم يتقبلوا شهادته. بعد أن أشار إلى أن “المكابس” في صيدنايا لم تكن تستخدم لتصفية الجثث بل كانت جزءًا من ورشات العمل التي كانت توفرها إدارة السجن للسجناء، تعرض لانتقادات لاذعة من البعض الذين اعتبروا أنه يروج لسردية النظام.
الانتهاكات والتعذيب في سجون النظام السابق:
سجون النظام السوري كانت موطنًا لأبشع صور التعذيب والانتهاكات، لكن مع استمرار الثورة السورية، بدأت تظهر العديد من الروايات المختلفة التي قد تكون بعيدة عن الواقع الذي عاشه المعتقلون. بعض الناجين من المعتقلات، مثل الططري وغيره، أكدوا أن ما تم ترويجه عن سجن صيدنايا كان مبالغًا فيه، إذ كان الهدف من المكابس وأماكن أخرى في السجن هو تدريب المعتقلين على حرفة النجارة وبعض الأعمال الميكانيكية.
لكن شهادات هؤلاء المعتقلين، الذين قضوا سنوات في سجون النظام، لا تنفي حقيقة المعاناة المروعة التي تعرضوا لها. هؤلاء الذين عاشوا فترة من التعذيب النفسي والجسدي، ويشهدون على قسوة النظام، غالبًا ما يتم تشويه شهاداتهم أو التقليل من شأنها في بعض الأوساط الثورية أو الإعلامية.
ما بعد الخروج: معاناة نفسية ومادية مستمرة:
واحدة من القصص المؤلمة التي تجسد معاناة المعتقلين بعد الخروج هي قصة إحدى الناجيات من سجن صيدنايا، تحدثت لشبكة “داما بوست” عن آلام نفسية شديدة بعد سنوات من الاعتقال. “من يوم خروجي لليوم، لا أستطيع التحدث مع أحد ولا أريد رؤية أحد”، هكذا بدأت ، مثلها مثل كثيرين، أثبتت الحاجة الماسة لدعم نفسي، لكن عائقًا آخر كان أمامها عندما نصحناها بمراجعة طبيب نفسي كان الجواب صادم …. ألا يحتاج الطبيب لمال … أنا لا أملك المال ادفع تكاليف العلاج النفسي.
ومثلها، هناك العديد من الأشخاص الذين خرجوا من السجون ولا يملكون القدرة على العمل بسبب ظروفهم الصحية السيئة، وليس لديهم موارد للبدء من جديد. كيف يُمكن لأشخاص فقدوا حياتهم وحرياتهم لسنوات أن يواجهوا تحديات الحياة من جديد دون دعم حقيقي؟
التحديات التي يواجهها المعتقلون بعد الخروج:
- التشكيك في مصداقية شهاداتهم: كثير من الذين خرجوا من السجون، مثل الططري، تعرّضوا لتشكيك واسع من بعض الأوساط المعارضة الذين اعتبروا تصريحاتهم خيانة. هذا التشكيك يقوّض الجهود الحقيقية للكشف عن الانتهاكات ويعزز من الانقسامات بين الناجين والمجتمع الثوري.
- الاحتياجات النفسية والجسدية: بعد سنوات من التعذيب، يحتاج المعتقلون إلى علاج نفسي مكثف، لكن العديد منهم لا يملكون المال لتغطية تكاليف العلاج النفسي أو العلاجات الطبية. بعضهم يعاني من إصابات جسدية تمنعهم من العمل.
- الوضع المادي الصعب: الكثير من المعتقلين السابقين يجدون أنفسهم في وضع مادي مزري بعد خروجهم من السجون. لا يجدون عملاً مناسبًا ولا دعمًا ماليًا كافيًا لإعادة بناء حياتهم.
- عدم وجود برامج لإعادة الإندماج الاجتماعي والمهني: في غياب الدعم الحكومي أو المجتمعي الكافي، يواجه المعتقلون السابقون صعوبة كبيرة في التكيف مع المجتمع بعد سنوات من العزل والظلم.
أبرز المقترحات التي يوصي بها خبراء الصحة النفسية لدعم المعتقلين السابقين وتمكينهم من التعافي وإعادة الاندماج في المجتمع:
- إنشاء برامج دعم نفسي واجتماعي: يجب أن يتم إنشاء برامج متخصصة لدعم المعتقلين السابقين نفسيًا واجتماعيًا. هذه البرامج يجب أن تتضمن جلسات علاج نفسي مجانية، بالإضافة إلى فرق دعم اجتماعي لمساعدتهم على التكيف مع حياتهم الجديدة بعد سنوات من القمع.
- دعم مادي ورعاية صحية: تقديم الدعم المالي لهؤلاء الذين يواجهون صعوبة في تلبية احتياجاتهم الأساسية، خاصة أولئك الذين يعانون من حالات صحية ناتجة عن التعذيب. يجب أن تكون هناك برامج حكومية أو أهلية توفر المساعدات المالية الطارئة للأشخاص الذين تضرروا بشكل كبير.
- إعادة تأهيل مهني وتدريبي: يجب إنشاء مراكز تدريب مهني لتعليم المعتقلين السابقين مهارات جديدة تتيح لهم الحصول على وظائف. تقديم دورات تدريبية مجانية في مجالات متعددة يمكن أن يساعدهم في الاندماج مرة أخرى في المجتمع ويمنحهم فرصة للعيش الكريم.
- العمل على توحيد الصفوف وتقدير تضحيات المعتقلين: من المهم أن يتوقف التشكيك في روايات المعتقلين، وأن يعترف المجتمع بتضحياتهم. يجب أن يتم توجيه الدعم لمن خرجوا من المعتقلات وأن يتم تقدير ما قدموه خلال سنوات المعاناة.
- إطلاق حملات توعية: يجب نشر الوعي حول معاناة المعتقلين من خلال حملات إعلامية تركز على توثيق تجاربهم، كما يجب إنشاء منصات إعلامية تتيح لهم التعبير عن معاناتهم ومشاركة قصصهم الحقيقية بعيدًا عن التلاعب الإعلامي.
الاعتقال والتعذيب في سجون النظام السابق لا يزال يؤثر بشكل عميق على المعتقلين والمجتمع السوري بشكل عام. ولا يجب أن ننسى أن المعتقلين الذين خرجوا من جدران السجون ليسوا مجرد ضحايا، بل هم جزء من القصة السورية. والواجب الآن هو الوقوف معهم لمساعدتهم في الشفاء وإعادة بناء حياتهم بعيدًا عن المآسي التي عاشوها ، كما يجب على المجتمع المدني السوري أن يعمل بشكل جاد على تقديم الدعم المناسب للمعتقلين السابقين، و يجب إعادتهم إلى المجتمع كأفراد قادرين على الإسهام في بناء وطن جديد، وليس كمجرد ضحايا يعيشون في العزلة والفقر.
إقرأ أيضاً: الخديعة الكبرى: سجن صيدنايا الذي أسرنا جميعاً