ارتفاع أسعار الإنترنت في سوريا.. ما الذي يحدث داخل شركات الاتصالات؟
شهد السوريون خلال الأيام الماضية صدمة جديدة تمثّلت بارتفاع كبير ومفاجئ في أسعار خدمات الإنترنت الخلوي، وصلت نسبته في بعض الباقات إلى نحو 200 بالمئة، دون أي تحسن ملموس في الجودة أو استجابة تقنية تواكب هذه الزيادة. ورافقت الخطوة شكاوى واسعة من تراجع جودة الشبكة وتباطؤ الخدمات، في ظل غياب توضيحات رسمية مفصلة من الجهات المختصة.
وبحسب المستخدمين، فإن الباقات الاقتصادية التي كانت تشكل الخيار الأقل كلفة اختفت من السوق تقريباً، ما جعل استهلاك البيانات عبئاً إضافياً على العائلات، في وقت يعتبر الإنترنت من أساسيات العمل والدراسة والتواصل اليومي.
دوافع تشغيلية وضغط متزايد على الشبكة
مصادر داخل شركتَي الاتصال الرئيسيتين تؤكد أن القرار لم يكن مجرد تغيير في الأسعار، بل جاء نتيجة ضغط كبير على الشبكة خلال الأشهر الأخيرة، إلى جانب مشكلات فنية تراكمت لسنوات. فبحسب موظفة في شركة “سيريتل”، فإن ارتفاع استهلاك البيانات ووصوله إلى مستويات غير مسبوقة أدى إلى تحميل المحطات والأبراج أكثر من طاقتها، في وقت لا توجد توسعات جاهزة للتنفيذ الفوري.
وتوضح الموظفة أن “الشبكة تعمل بقدرة محدودة بسبب قدم التجهيزات، ومع استمرار استهلاك البيانات بنفس الوتيرة، كان من الممكن أن تنهار الخدمة في عدد من المناطق”، مشيرة إلى أن تعديل الباقات جاء بهدف “إعادة توزيع استهلاك المستخدمين وتخفيف الضغط في ساعات الذروة”.
وتؤكد أن نية الشركة ليست رفع الأسعار بحد ذاتها، وإنما “تحسين جودة الخدمة على المدى المتوسط”، لكن تنفيذ عمليات التحديث والتوريد وتركيب التجهيزات “يتطلب وقتاً ولا يمكن أن تظهر نتائجه فوراً”.
تجهيزات متقادمة وتحديات لوجستية
من جانبه، يوضح مهندس في شركة “إم تي إن” أن المشكلة ليست فقط في ارتفاع الضغط على الشبكة، بل أيضاً في البنية التقنية القديمة وصعوبة الحصول على قطع الغيار والتوسعات اللازمة. ويقول: “نعمل على محطات وتجهيزات يعود عمرها لسنوات طويلة، وأي عملية تطوير تحتاج إلى دورة توريد معقدة ومكلفة، ما يجعل تحسين الخدمة بطيئاً للغاية”.
وبحسب المهندس، فإن الشركات وجدت نفسها أمام خيارين أحلاهما مرّ: “إما رفع الأسعار لتخفيف الاستهلاك وتمويل التشغيل، أو مواجهة تراجع شامل في الجودة”. ويضيف أن هذه الخطوة قد تكون “الحل الأقل سوءاً” في ظل الظروف الحالية.
أسعار تضاعفت دون بديل اقتصادي
تزامن قرار الشركتين مع ارتفاع لافت في أسعار الباقات. إذ ارتفعت “باقة 20 غيغابايت” من 40 ألف ليرة سورية إلى نحو 120 ألف ليرة، بينما وصلت “باقة 50 غيغابايت” إلى حوالي 300 ألف ليرة، بعد أن كانت لا تتجاوز 80 ألفاً، بحسب ما رصده موقع “الحل نت”.
وبهذا، يجد المستخدم نفسه أمام خيارات أقل بكثير وأسعار أعلى بكثير، في وقت لم تُطرح فيه بدائل اقتصادية أو باقات مخفضة.
توقيت صعب وانتقادات اقتصادية
يرى اقتصاديون أن قرار رفع الأسعار جاء في وقت غير ملائم على الإطلاق، خصوصاً وسط تراجع القدرة الشرائية للمواطنين واعتماد شرائح واسعة على الإنترنت لأغراض التعليم والعمل. ويشير الخبير الاقتصادي سيڤان عيسى إلى أن “أي تعديل في أسعار خدمات أساسية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار واقع الدخل في البلاد، وإلا تحول إلى عبء إضافي على المستخدمين”.
ويضيف عيسى أن “رفع الأسعار دون تحسن فعلي يخلق فجوة ثقة بين الشركات والمستهلك، ويؤثر سلباً على القطاع نفسه عبر تراجع الاستهلاك”.
تضارب التبريرات ومسؤولية غائبة
إثر الضجة، أصدرت شركة “سيريتل” بياناً قالت فيه إن التعديلات الأخيرة تأتي ضمن “خطة تطويرية تهدف إلى تحسين جودة الخدمة وضمان استدامة الشبكة”. وجاء ذلك بعد طلب من وزارة الاتصالات بتوضيح أسباب الرفع، رغم أن الشركات لا يمكنها تعديل الأسعار من دون موافقة الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد، وفق القانون.
وتنص المادة الخامسة من قانون الاتصالات والمادة 42 على أن الهيئة هي الجهة المسؤولة عن تحديد سقوف الأسعار ووضع الحدود الدنيا والعليا للخدمات، ما يثير تساؤلات حول محاولة الوزارة التنصل من مسؤوليتها.
أزمة مستمرة بلا حلول جذرية
رغم تعدد التبريرات، يتفق المستخدمون والخبراء على أن رفع الأسعار لم يعد مجرد خطوة تشغيلية، بل تحول إلى أزمة تمسّ تفاصيل الحياة اليومية للسوريين. فمع كل تعديل جديد، يجد المستهلك نفسه أمام أسعار أعلى وخدمة لا تتحسن بالوتيرة المطلوبة، بينما تستمر الشركات بطرح تغييرات متتالية دون شرح واضح لآليات اتخاذ القرار.
وبين وعود “تحسين قريب” وواقع “شبكة مرهقة وتجهيزات قديمة”، يبقى المستخدم السوري الحلقة الأضعف في سوق اتصالات تعاني من خلل بنيوي مزمن، ومن غياب الشفافية بين الشركات والجهات المنظمة والجمهور.
اقرأ أيضاً:لتحسين جودة الانترنت.. الاتصالات تطلق مشروع برق نت