تعليق إصدار الهويات يفاقم الأعباء الإدارية والمالية على السوريين
تواجه شريحة واسعة من السوريين، سواء في مناطقهم داخل البلاد أو بين العائدين من النزوح واللجوء، أزمة متصاعدة بسبب توقف إصدار البطاقات الشخصية، ما دفع المواطنين إلى الاعتماد على “بيان قيد فردي مدني” أو ما يُعرف بـ”إخراج القيد” كبديل مؤقت يرافق كل معاملة رسمية، مهما كانت بسيطة.
هذا البديل الذي يُفترض أن يكون إجراءً استثنائياً، بات اليوم مساراً مرهقاً يشمل مراجعة السجل المدني ثم المختار فالبلدية، مع ما يتطلبه ذلك من تكاليف وأتعاب وصور شخصية وتنقلات، لتتحول المعاملات اليومية إلى رحلة بيروقراطية كاملة تتكرر مع كل خطوة.
إجراءات مضاعفة تثقل كاهل العائدين والطلاب والموظفين
عبد الملك، طالب جامعي عاد إلى بلدته بعد سنوات النزوح، يجد نفسه أمام دوامة من الإجراءات المعقدة. فمجرد نقل جامعي أو معاملة بسيطة تحتاج إلى صورة عن البطاقة الشخصية غير الموجودة أصلاً، ما يدفعه إلى استخراج عدة وثائق “إخراج قيد” ممهورة وموقعة من ثلاث جهات.
ويقول في حديثه لـ”تلفزيون سوريا” إنه استخرج ثلاث نسخ من الوثيقة خلال أيام قليلة، مضيفاً: “لا بديل عن هذه الورقة المؤقتة. كل معاملة تبدأ من نقطة الصفر بسبب توقف إصدار البطاقات.”
أما المتقدمون للوظائف، فالمشكلة لديهم أكبر. إحدى المتقدمات لمسابقة الترجمة في وزارة العدل اضطرت هي الأخرى إلى جولة طويلة بين السجل المدني والمختار والبلدية لتأمين وثيقة بديلة عن الهوية، لأن الشروط الرسمية لا تُقبل إلا بوجود صورة مختومة على قيد سجل مدني مستوفٍ لجميع الأختام والتواقيع.
المعضلة لا تتوقف هنا؛ فآلاف السوريين الذين عادوا إلى مناطقهم بعد تحريرها يفتقرون للبطاقات الشخصية أيضاً، في وقت لا تزال فيه عملية إصدارها متوقفة تماماً.
معوقات إضافية أمام السوريين في بلدان اللجوء
تتجاوز تداعيات توقف إصدار الهويات حدود الداخل السوري، لتؤثر بشكل مباشر في السوريين المقيمين في دول اللجوء.
فالقوانين الأوروبية تمنع اللاجئ من زيارة بلده الأصلي، وقد يؤدي ذلك إلى إلغاء ملف لجوئه بشكل كامل. لذلك يعتمد كثيرون على دخول سوريا عبر دول الجوار باستخدام البطاقة الشخصية بدلاً من جواز السفر، لتجنب تسجيل الدخول رسمياً على الجواز.
لكن آلاف السوريين في الخارج لا يملكون هذه البطاقات أصلاً؛ بعضهم غادر تحت القصف من دون أوراق، وآخرون كبروا في بلدان اللجوء ولم يستصدروا بطاقات مسبقاً. وهؤلاء اليوم يقفون أمام حاجز قانوني يعطل قدرتهم على زيارة ذويهم أو متابعة شؤونهم العقارية والعائلية داخل سوريا، إلا بعد رحلة شاقة لاستخراج “بيان قيد فردي” ودفع رسوم وتصديقات لدى وزارة الخارجية.
مروان، المقيم في ألمانيا منذ 2018، مثال على هذه الفئة. يقول لـ”تلفزيون سوريا” “لا أملك بطاقة شخصية. خرجت من سوريا وأنا قاصر. اليوم لا يمكنني العودة مباشرة لأن ختم الدخول قد يُلغي لجوئي، ولا يمكنني إصدار بطاقة من الخارج.”
غياب توضيحات رسمية… ومراجعات لا تنتهي
في مبنى السجل المدني بدمشق، تستمر الطوابير على “قيد السجل المدني” في الازدياد، فيما لم تقدّم إدارة السجل أي إعلان رسمي حول أسباب توقف إصدار البطاقات أو موعد استئنافها.
موظف في السجل المدني – فضّل عدم الكشف عن اسمه – أكد للموقع أن لا خطة زمنية واضحة لعودة إصدار الهويات، موضحاً أن الضغط كبير على الموظفين أنفسهم، وأن الإجابة المعتادة للمراجعين هي أن “البنية التحتية والهوية البصرية الجديدة لم تُنجز بعد”.
أزمة تتجاوز الورق… وتحتاج حلولاً فعلية
يرى المختص في الإدارة العامة محمد الثلّاج أن استمرار المشكلة يؤدي إلى ضعف الثقة بالوثائق الرسمية، ويعطل قدرة المؤسسات على تلبية حاجات المواطنين الأساسية، إضافة إلى الطوابير اليومية التي تستهلك وقت السكان وموظفي الدولة معاً.
ويقترح الثلّاج حلولاً إسعافية، منها اعتماد “بيان القيد” بوصفه وثيقة رسمية من دون الحاجة لختم المختار والبلدية طالما يحمل باركوداً قابلاً للتحقق إلكترونياً، إضافة إلى السماح للسفارات والقنصليات السورية في الخارج باستقبال طلبات إصدار البطاقات أو القيود المدنية، وهو ما من شأنه حل أزمة عشرات الآلاف من اللاجئين.
هوية مفقودة… وأثر يمسّ كل تفاصيل الحياة
في زمن تتحول فيه بطاقة الهوية إلى مفتاح للوصول إلى التعليم والعمل والرعاية الصحية والخدمات الأساسية، يعيش ملايين السوريين اليوم أزمة هوية حقيقية.
فالطالب الذي يحاول تسجيل مقرراته، والموظف الباحث عن فرصة عمل، واللاجئ الحالم بزيارة أهله، جميعهم يصطدمون بالواقع ذاته: توقف إصدار البطاقات الشخصية جعل من أبسط الإجراءات عبئاً يومياً ومعضلة معقدة لا حل قريباً لها.
اقرأ أيضاً:الوضع الاقتصادي في سوريا 2025: انهيار، تحديات، وفرص إعادة الإعمار