استهداف حي المزة 86 في دمشق.. حادثة صاروخية تحمل رسائل سياسية وعسكرية

داما بوست -يوسف المصري

تعرض حي المزة 86 السكني في العاصمة السورية دمشق مساء أمس الجمعة لاستهداف صاروخي أسفر عن وفاة امرأة وإصابة عدد من المدنيين، إضافة إلى وقوع أضرار في أحد المباني السكنية المكونة من ثلاثة طوابق. الهجوم الصاروخي الذي استهدف منطقة مأهولة بالسكان، أثار تساؤلات حول الأطراف المتورطة في الهجوم وأبعاده السياسية والعسكرية.

التفاصيل الأولية للحادثة:

في بيان رسمي نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا)، أكد مصدر عسكري أن الهجوم تم بواسطة صواريخ أُطلقت من منصة متحركة. مصادر محلية تحدثت عن احتمالية أن تكون الحادثة “خطأ بشري” من قبل الفصائل العسكرية المنتشرة في المنطقة أثناء تنفيذ تدريبات عسكرية، ما أسفر عن سقوط القذائف في حي سكني، وهو خيار مستبعد لأن الحكومة الانتقالية عثرت على أجهزة إطلاق بدائية.

وقد شهدت المنطقة عقب الهجوم انتشارًا أمنيًا كثيفًا، حيث تم فرض طوق أمني في المنطقة.

البحث عن المسؤولين:

من جهة أخرى، أعلن مصدر مسؤول في وزارة الدفاع في الحكومة السورية الانتقالية أنه تم العثور على أجهزة وأدوات عسكرية بدائية الصنع تم استخدامها في الهجوم، مشيرًا إلى أن التحقيقات الأولية أظهرت أن الصواريخ أُطلقت من منطقة بساتين كفرسوسة.

الاعتقالات وأبعاد الحادثة السياسية:

الضربة الصاروخية التي استهدفت حي المزة 86 في دمشق، والتي استخدمت فيها صواريخ كاتيوشا، أعادت إلى أذهان سكان العاصمة مشاهد الأيام الأولى للحرب السورية، عندما كانت فصائل المعارضة تستهدف دمشق بقذائف الهاون وصواريخ الكاتيوشا من مواقعها في الغوطة الشرقية. ولكن، وفقًا لمصادر أمنية تحدثت لشبكة “داما بوست”، فإن الهدف الأساسي للهجوم كان على الأرجح محيط القصر الجمهوري وليس حي المزة 86، مما يطرح تساؤلات حول نية الفاعلين الحقيقية من وراء هذه الضربة.

هذه الحادثة ليست مجرد استهداف عابر أو رسالة ضبابية، بل يمكن ربطها بمجموعة من المعطيات السياسية والعسكرية التي تزداد تعقيدًا في الوقت الحالي:

1. اعتقال أبو هاشم التلي:

الأمر الذي يثير الانتباه هو اعتقال “أبو هاشم التلي”، والذي تربطه علاقات قوية مع “جيش الإسلام”، من قبل عناصر الأمن العام في منطقة الدريج بريف دمشق. هذه الحادثة يمكن اعتبارها رسالة قوية من “جيش الإسلام” حول وجوده على الأرض، خاصة في ظل تهميشه من قبل السلطة الانتقالية، وعدم ضغط السلطة الانتقالية للإفراج عن قائد الجيش عصام بويضاني، الذي اعتقلته الإمارات وسلمته في وقت لاحق لفرنسا.

2. تصاعد التوترات مع المقاتلين الأجانب:

هناك حديث متصاعد في الأوساط السورية عن قرب شن قوات الحكومة الانتقالية حملة ضد المقاتلين الأجانب في سوريا، بدعم أمريكي. وهذا يعكس تعقيدات إضافية في المشهد السوري الذي لم يهدأ بعد، مما قد يشير إلى وجود أطراف إقليمية ودولية فاعلة في تحريك هذه الملفات.

3. داعش والحرب ضد الرئيس السوري الانتقالي:

على صعيد آخر، لا يمكن إغفال إعلان تنظيم “داعش” الحرب ضد الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بعد انضمام سوريا للتحالف الدولي ضد التنظيم. وهذا التطور يعكس عمق التحولات التي قد تطرأ على مسار الأحداث في سوريا، لا سيما في ظل دعم الولايات المتحدة لتحركات الحكومة الانتقالية ضد “داعش”.

الضربة الصاروخية: العودة إلى أساليب الماضي:

عند تحليل الحادثة، فإن الأسلوب المستخدم في الهجوم يشبه أساليب كانت تُستخدم في بداية الحرب السورية، عندما كانت فصائل المعارضة المنتشرة في محيط دمشق (مثل جيش الإسلام، فيلق الرحمن، ولواء شهداء الإسلام) تستخدم منصات متنقلة لتنفيذ ضربات سريعة ثم الانسحاب.

خبير أمني أشار في حديثه لـ “داما بوست” إلى أن الأسلوب الذي تم اتباعه في الضربة الأخيرة على حي المزة 86 هو ذاته الذي كان يستخدمه “جيش الإسلام” أثناء سيطرته على الغوطة الشرقية، حين كان يستهدف العاصمة دمشق بصواريخ الكاتيوشا. هذه الضربة الخاطفة تحمل “رائحة” جيش الإسلام، سواء كان التنظيم وراء تنفيذها بشكل مباشر أو من خلال خلايا نائمة.

هل السعودية تعيد إنتاج “جيش الإسلام”؟

المصدر الأمني أضاف أن جيش الإسلام كان يتحرك في السابق بدعم سعودي كامل، لكنه خرج من الغوطة الشرقية ليصبح جزءًا من مناطق النفوذ التركي في الشمال السوري. بعد عام تقريبًا من سقوط نظام الأسد، تطرح التساؤلات حول ما إذا كانت السعودية تعمل على إعادة إنتاج “جيش الإسلام” بطريقة جديدة، أم أن الحادثة الأخيرة تمثل رسالة من بقايا هذا التنظيم للسلطة الانتقالية، بغرض ضمان تمثيل لهم في المستقبل السياسي لسوريا.

تململ في صفوف “جيش الإسلام” من تهميش السلطة الانتقالية

تشهد صفوف “جيش الإسلام” حالة من التململ والامتعاض بسبب التهميش الذي يعانون منه في السلطة الانتقالية السورية، بعد عدم حصولهم على التمثيل الكافي في المناصب المهمة داخل الحكومة الجديدة. يُعرب العديد من عناصر وقيادات جيش الإسلام عن استيائهم من تجاهل دورهم في السلطة، حيث شعروا أنهم غير مشاركين بالشكل المطلوب في بناء النظام الانتقالي.

إلى جانب ذلك، يشكو أهالي دمشق وريفها من تدهور الوضعين الأمني والاقتصادي في العاصمة، حيث يلاحظون هيمنة أهالي إدلب وحماة ودير الزور على المناصب الأساسية في الدولة الجديدة، مما ألقى بظلال من الاستياء على سكان العاصمة ومحيطها. هذا الوضع يزيد من شعور التهميش لدى سكان دمشق ومحيطها، الذين يشعرون أنهم خارج دائرة صنع القرار، ما يعمق الهوة بين الفصائل المسلحة في سوريا.

وفي المحصلة، فإن الهجوم على حي المزة 86 في دمشق يحمل في طياته أبعادًا سياسية وعسكرية معقدة، حيث تعكس أساليب الهجوم والظروف المحيطة به رسائل متعددة تتراوح بين التهديدات من “جيش الإسلام” والمصالح الإقليمية والدولية المتشابكة في سوريا.

إقرأ أيضاً: مقتل امرأة في استهداف حي المزة 86 بدمشق بصواريخ كاتيوشا

اقرأ أيضاً:الأخبار: داعش يردّ على الشرع: نحن هنا

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.