محافظة حلب… حين تتحوّل ذكرى المجزرة إلى منصّة للتضليل
في ذكرى واحدةٍ من أكثر الهجمات دمويةً على المدنيين خلال الحرب السورية، أثارت محافظة حلب موجة غضب واسعة بعدما نشرت منشوراً يدّعي أنّ طيران نظام الأسد هو من استهدف سوق مدينة الأتارب عام 2017، متجاهلةً — أو متعمّدةً تجاهل — الحقيقة المثبتة بالدلائل الأممية والدولية بأنّ الطيران الروسي هو المسؤول المباشر عن المجزرة.
رواية رسمية… بلا ذاكرة:
المنشور الذي خرج من صفحة رسمية يفترض بها احترام الحقيقة وذاكرة الضحايا، بدا وكأنه محاولة مكشوفة لإعادة كتابة الوقائع بما ينسجم مع حسابات سياسية، لا مع ما وثّقته لجان التحقيق الدولية ولا مع شهادات مئات الناجين.
ففي 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، نفّذت الطائرات الروسية ثلاث غارات متتالية على سوق الأتارب الشعبي ومركز الشرطة المجتمعية، مستخدمة صواريخ ارتجاجية شديدة الانفجار. الهجوم أسفر عن مقتل أكثر من 80 مدنياً، بينهم نساء وأطفال، وإصابة عشرات آخرين، إلى جانب دمار واسع طال المحال التجارية والممتلكات والبنية التحتية المدنية.
هذه الحقائق ليست وجهات نظر. لقد وثّقتها منظمات حقوقية مستقلة، وأكّدتها لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة التي سمّت روسيا بالاسم كمسؤول مباشر عن الهجوم — في سابقة هي الأولى من نوعها.
طمس الحقيقة… اعتداء ثانٍ:
رغم وضوح الأدلة، أعادت محافظة حلب نشر رواية تُحمّل النظام السوري وحده المسؤولية. بالنسبة لكثير من السوريين، لم يكن ذلك مجرّد “خطأ في المعلومات”، بل اعتداء جديد على ذاكرة الضحايا، ومحاولة فجة لتغيير سردية موثّقة دولياً لصالح اعتبارات سياسية.
لقد رأى ناشطون في الخطوة انتهاكاً أخلاقياً صريحاً، ومؤشراً خطيراً على استعداد جهة رسمية لمحو الحقيقة بما يخدم موقعها السياسي. وسأل كثيرون: إذا كانت المجازر موثّقة وتقارير الأمم المتحدة وشهادات الجرحى والناجين… فماذا تريد محافظة حلب أن تمحو بعد؟
غضب شعبي… وصمت رسمي:
عشرات الناشطين والصحفيين استنكروا تزييف وتضليل الرواية، واعتبروا أن أي علاقة مع روسيا “لا يمكن أن تُبنى على دماء السوريين”. وطالبوا المحافظة بالاعتذار العلني وتصحيح المعلومات فوراً.
ورغم الانتقادات الواسعة، لم تُصدر المحافظة أي توضيح. اكتفت بحذف المنشور بصمت، وكأن شيئاً لم يحدث، خطوة لم تُسهم إلا في زيادة الشكوك حول دوافع نشره منذ البداية.
أزمة ثقة لا منشور عابر:
وأشار ناشطون سوريون إلى أن المؤسسة الرسمية التي تختار إعادة صياغة التاريخ وفق مصالح ظرفية، بدل احترام الحقائق ومسؤولية الذاكرة، تُضيف جرحاً فوق جروح السوريين. فالمشكلة ليست منشوراً تمت إزالته، بل نهجاً يتعامل مع الحقائق كوجهات نظر، ومع الضحايا كأرقام قابلة للمقاطعة أو الحذف.
في بلدٍ مثخن بالمجازر والملفات المفتوحة والإفلات من العقاب، يصبح طمس الحقيقة — أيّ حقيقة — جريمة أخلاقية وسياسية تتجاوز حدود الخطاب إلى العبث بحق العدالة والإنصاف والذاكرة.
وأضاف ناشطون: “المطلوب اليوم ليس حذف منشور، بل اعتذار واضح، وتصحيح الرواية، وضمان عدم تكرار محاولات التضليل — احتراماً للضحايا، واحتراماً للسوريين، واحتراماً للحقيقة”.
إقرأ أيضاً: روسيا تستأنف الرحلات العسكرية إلى سوريا بعد توقف 6 أشهر
إقرأ أيضاً: روسيا تعيد تموضعها في سوريا: عودة عسكرية واقتصادية تشمل الجنوب والشمال الشرقي
