إغلاق مصفاة حمص ومشروع بديل.. مرحلة جديدة في خريطة الطاقة السورية
تدخل سوريا مرحلة جديدة في قطاع الطاقة مع إعلان الحكومة عن نيتها إغلاق مصفاة حمص التاريخية وبناء مصفاة حديثة بطاقة إنتاجية تصل إلى 200 ألف برميل يوميًا، على بُعد نحو 50 كيلومترًا من موقعها الحالي. المشروع، الذي كشفت تفاصيله الشركة السورية للبترول، يُعدّ من أضخم المشاريع النفطية منذ عقود، ويهدف إلى إعادة هيكلة صناعة التكرير وتحقيق كفاءة أكبر في إنتاج المشتقات النفطية.
وداع المصفاة القديمة
جاء الإعلان الرسمي على لسان الرئيس التنفيذي للشركة، يوسف قبلاوي، خلال فعاليات معرض سيريا إينرجي الذي عُقد في دمشق الأربعاء، مؤكدًا أن قرار إغلاق مصفاتي حمص وبانياس جاء بعد تراجع كفاءتهما التشغيلية بسبب تقادم المعدات وضعف القدرة الإنتاجية، ما جعل استبدالهما ضرورة لضمان أمن الطاقة الوطني.
وأوضح قبلاوي أن موقع المصفاة القديمة في حمص، التي أُنشئت عام 1959 وكانت تعمل بطاقة تقارب 110 آلاف برميل يوميًا في أفضل مراحلها، سيتحول إلى منطقة خدمية وسكنية متكاملة تضم مدارس ومستشفيات ومرافق عامة، في خطوة تهدف إلى استثمار الأراضي الصناعية القديمة لخدمة التنمية المحلية وتحسين النسيج العمراني للمدينة.
وبحسب الشركة، من المتوقع أن تغطي المصفاة الجديدة كامل احتياجات السوق المحلية من المشتقات النفطية، مع إمكانية تصدير جزء من الإنتاج، ما يسهم في تخفيف الضغط عن السوق وتأمين موارد إضافية للخزينة العامة.
كوادر وطنية وتعاون دولي
أكد قبلاوي أن المشروع الجديد سيعتمد بشكل أساسي على الكوادر الوطنية المؤهلة، مشيرًا إلى أن الحكومة تعمل بالتوازي على دعم التعليم المهني والفني في مجالات النفط والطاقة لتأمين الكفاءات اللازمة لتشغيل المصفاة الحديثة.
وعلى الصعيد الدولي، كشف المسؤول أن الشركة السورية للبترول دخلت في مفاوضات متقدمة مع عدد من الشركات العالمية المصنفة ضمن الفئة الأولى (Tier One)، في إطار خطة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ونقل التكنولوجيا الحديثة إلى سوريا.
وفي هذا السياق، أعلن قبلاوي عن زيارة وفد من شركة “شيفرون” الأميركية إلى دمشق وبداية مرحلة تعاون جديدة، مؤكدًا أن شركة “كونوكو فيليبس” تستعد لتوقيع عقود استثمارية في البلاد، معتبرًا أن ذلك “يؤسس لشراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص ويعيد سوريا إلى خريطة الطاقة الإقليمية”.
تجميد العقود القديمة وفتح صفحة جديدة
بالتوازي مع التحركات الجديدة، كشف مصدر في وزارة النفط والثروة المعدنية عن تجميد العقود السابقة الموقعة بالتراضي خلال الحكومات الماضية، موضحًا أن مراجعة العقود أظهرت انتهاء أحد أبرزها فعليًا.
وبحسب المصدر، فإن العقد كان موقعًا لمدة عام واحد فقط بين مكتب تسويق النفط ممثلًا عن شركتي مصفاة بانياس وحمص، وبين شركتي ترانس ناشيونال الروسية وجيكو ش.م.ل / أوف شور، وينص على استثمار الطاقة التكريرية الفائضة لدى المصفاتين لتكرير نحو 135 ألف طن متري شهريًا من النفط الخام. ومع انتهاء مدته القانونية، لم تعد هناك التزامات قائمة على الوزارة تجاه تلك الشركات، ما يتيح حرية كاملة لعقد اتفاقيات جديدة بشروط حديثة.
مصفاة حمص.. ذاكرة النفط السوري
تُعد مصفاة حمص أول مصفاة نفطية في سوريا، إذ تأسست عام 1959 وشكلت لعقود العمود الفقري لقطاع التكرير في البلاد. وقد لعبت دورًا محوريًا في تأمين احتياجات السوق المحلية من المشتقات الأساسية مثل البنزين والديزل والوقود الصناعي، وساهمت في دعم النشاط الصناعي والخدمي على مستوى البلاد.
لكن مع مرور الزمن وتراجع الاستثمار في البنية التحتية، بدأت المصفاة تفقد جزءًا كبيرًا من طاقتها التشغيلية، حتى باتت تعمل اليوم بأقل من ربع قدرتها الأصلية، وسط صعوبات في تأمين التمويل وقطع الغيار بسبب العقوبات وتراجع الإنتاج النفطي المحلي.
مشروع بديل بمعايير جديدة
تأمل الحكومة السورية أن يشكل المجمع الجديد بديلاً عصريًا لمصفاة حمص القديمة، يعتمد على تكنولوجيا حديثة في التكرير لتقليل الفاقد والانبعاثات، وتحسين جودة المشتقات المنتجة بما يتماشى مع المعايير الدولية. كما يُنتظر أن يسهم المشروع في تقليص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك المحلي، وتحقيق استقرار أكبر في قطاع الطاقة الذي يعاني منذ سنوات من أزمات متكررة في التوزيع والإنتاج.
وبينما تستعد دمشق لتوديع واحدة من أبرز رموزها الصناعية، يبدو أن مشروع المصفاة الجديدة يمثل رهانًا اقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا، ليس فقط لإعادة إحياء قطاع الطاقة، بل أيضًا لإعادة بناء الثقة في قدرة الدولة على تنفيذ مشاريع استراتيجية طويلة الأمد في بيئة ما بعد الحرب.
اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة