“تل أبيب” تترقّب بحذر: “إسرائيل” تدخل على خط لقاء ترامب – الشرع
تتابع “إسرائيل” باهتمام بالغ الزيارة الأولى للرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة ولقاءه نظيره الأميركي دونالد ترامب، في حدث وصفته الأوساط الإسرائيلية بأنه “تاريخي” من حيث التوقيت والدلالات. فبحسب ما نشرته مراكز بحثية واستراتيجية إسرائيلية، تسعى “تل أبيب” إلى التأثير في طريقة تعاطي واشنطن والغرب مع سوريا الجديدة، مقدّمة نفسها كـ”الطرف الأكثر دراية بالمنطقة العربية والأقدر على فهم تعقيداتها الأمنية والسياسية”.
ما وراء المصافحات
رئيسة قسم الأبحاث الأمنية في موقع “علما” المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية، ساريت زهافي، تناولت في مقال تحليلي شخصية الشرع وسياق زيارته، معتبرةً أن “الرمزية” التي تحملها الزيارة تستدعي النظر إلى ما وراء الصور والمصافحات.
ورأت زهافي أن من السابق لأوانه الحديث عن اتفاق أمني بين دمشق وتل أبيب، لكنها حذّرت من أن “نخدع أنفسنا بالرمزية وحدها”، مشيرة إلى أن الشرع – في رأيها – لا يزال يحمل “أيديولوجية جهادية” يصعب فصلها عن مسار الدولة السورية الجديدة.
وأضافت أن النظام الجديد في دمشق يعتمد، بحسب تقييمها، على قادة ومقاتلين سابقين في فصائل إسلامية، ما يجعل مسار التحول نحو دولة مدنية أمراً غير مضمون.
ومع ذلك، أقرت زهافي بإمكانية وجود “مصلحة مشتركة” بين الغرب وسوريا الجديدة، في مواجهة كل من إيران وتنظيم “داعش”، لكنها شددت على أن الشرع “ليس ثورياً على النمط الغربي”، وأن قدرته على الانفصال عن المتشددين تبقى موضع شك.
“إسرائيل” ترسم حدود الدعم الدولي لسوريا الجديدة
في مقاربة أخرى، تناولت الباحثة الإسرائيلية المتخصصة في الأمن القومي، زوي ليفورنيك، مستقبل انخراط الغرب في الملف السوري، معتبرة أن رفع العقوبات وتقديم المساعدات الاقتصادية “لا يكفيان وحدهما لبناء نظام مستقر”.
ودعت ليفورنيك إلى ما وصفته بـ”التدخل البنّاء” في إعادة إعمار سوريا، بحيث يُعاد بناء مؤسساتها على نحو “يضمن عهداً جديداً حقيقياً يخدم مصالح الغرب وإسرائيل معاً”، على حد تعبيرها.
وشددت الباحثة على ضرورة وضع شروط ومعايير واضحة لأي دعم مالي أو استثماري يقدَّم لدمشق، معتبرة أن منح “شيك على بياض” للنظام السوري الجديد قد يؤدي إلى فقدان السيطرة على مسار التحولات المقبلة.
ووفق ليفورنيك، فإن إعادة الإعمار في سوريا ليست مجرد تحدٍّ اقتصادي، بل سياسي وأمني ومؤسساتي في آنٍ واحد، ما يستدعي إشرافاً دولياً مباشراً على تفاصيل العملية.
تأثير إسرائيلي على جدول مباحثات واشنطن ودمشق
وبينما كانت واشنطن تتهيأ لاستقبال الشرع حاولت “إسرائيل” – بحسب تصريحات دبلوماسيين سابقين – التأثير على مجريات اللقاء حتى اللحظة الأخيرة.
“سفير إسرائيلي” سابق كشف لتلفزيون “مكان” العبري أنه تواصل مع مسؤولين أميركيين وأرسل رسائل إلى واشنطن تتعلق بمواضيع البحث بين ترامب والشرع، مقدّماً توصيات بخصوص ضرورة الحصول على إجابات واضحة حول ملفات الجنوب السوري والأقليات والعلاقات الإقليمية.
مقال آخر في الصحافة الإسرائيلية وصف اللقاء بين ترامب والشرع بأنه قد “يغيّر خريطة الشرق الأوسط”، مشيراً إلى المفارقة بين كون الشرع كان هدفاً للاغتيال من قبل واشنطن قبل عام واحد فقط، ليصبح اليوم ضيفاً رسمياً في البيت الأبيض.
ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مصادر أميركية قولها إن إدارة ترامب قدّمت خلال اللقاء “قائمة صارمة” من المطالب، أبرزها التزام دمشق بعدم إقامة أي علاقة مع إيران أو غضّ النظر عن نشاط خلاياها داخل الأراضي السورية، إضافة إلى تشجيعها على التوجه نحو اتفاق أمني مع “إسرائيل”.
وبحسب المقال نفسه، فقد تلقت “إسرائيل” لاحقاً تحديثاً مفصلاً من الإدارة الأميركية حول ما جرى في الجلسات المغلقة بين ترامب والشرع، في إشارة إلى التنسيق الوثيق بين الجانبين.
“تل أبيب”: لا استعجال في الاتفاق
ورغم الاهتمام الواضح في إسرائيل بمخرجات الزيارة، إلا أن تحليلات صحف ومراكز إسرائيلية متطابقة أجمعت على أن تل أبيب لا تستعجل التوقيع على أي اتفاق أمني مع سوريا في الوقت الحالي.
فجيش الاحتلال الإسرائيلي – وفق هذه التحليلات – “يواصل نشاطه بحرية تامة داخل الأراضي السورية”، ولا يرغب في اتفاقات قد تقيّد تحركاته. كما ترى “إسرائيل” أن الوضع الراهن يحقق لها مصلحة مزدوجة: استمرار التنسيق غير المباشر مع النظام السوري الجديد في محاربة أي وجود إيراني داخل سوريا، ومنع تهريب السلاح إلى حزب الله.
وتحدثت تقارير عبرية عن أربعة لقاءات مباشرة جرت بين وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر ومسؤولين سوريين، أبرزهم وزير الخارجية أحمد الشيباني، على أن يعقد لقاء خامس بعد زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن.
لكن هذه اللقاءات، وفق معظم المراقبين في تل أبيب، لا تعني بالضرورة اقتراب توقيع اتفاق أمني، بل تأتي في إطار جسّ نبض سياسي متبادل، واختبار لمستقبل العلاقة بين الجانبين في مرحلة ما بعد الأسد.