الخوف يخيّم على ريف حماة الغربي… قرى تبحث عن الأمان في زمن الفوضى
في قرى ريف حماة الغربي، يحلّ الليل باكراً، ليس بسبب غياب الكهرباء فحسب، بل لأن الخوف بات سيد الموقف. فمع غروب الشمس، تُغلق الأبواب بإحكام وتخفت الأضواء، وتتحوّل القرى إلى مدنٍ صامتة يخيّم عليها الحذر، بينما يعيش السكان نهارهم وسط تهديدات مستمرة، من إطلاق نار عشوائي إلى حوادث سطو وخطف أصبحت جزءاً من حياتهم اليومية.
خوف يقتل بصمت:
تحكي مريم، وهي سيدة خمسينية فقدت زوجها نتيجة أزمة قلبية، أن “الخوف أصبح سبب الموت في هذه القرى”. تقول مريم لصحيفة الأخبار: “كان زوجي مدرساً يؤمن بالعلم كمستقبل لأولادنا، لكن القلق والضغوط أنهكت قلبه. لم يحتمل هذا الواقع فانطفأ في منتصف الليل. منذ ذلك اليوم، لم نعرف طعماً للأمان.”
مريم، كغيرها من سكان المنطقة الممتدة بين مصياف والسقيلبية، ترى أن الخوف أصبح أهمّ من رغيف الخبز. فالأمان، بالنسبة إلى كثيرين، بات الحلم الأول بعد سنوات من الفوضى والانهيار الاقتصادي.
انفلات أمني وحياة مهدّدة:
يقول أبو حسن، السبعيني من إحدى قرى ريف مصياف، إنّ السلاح المنتشر وغياب الدولة جعلا من القرى هدفاً دائماً للهجمات من قبل البدو.
ويضيف لصحيفة الأخبار: “عشنا مراحل كثيرة في تاريخ سوريا، لكن هذه السنوات هي الأقسى. أبنائي لا يعيشون بأمان، وبعضهم يختبئ خوفاً من المداهمات. الناس يبيعون أراضيهم لشراء الأمان أو دفع فدية. الجوع أهون من الخوف.”
الخوف يغيّر ملامح المجتمع:
في المقابل، تتحدث نساء المنطقة عن انعزال اجتماعي غير مسبوق. تقول ميساء، شابة من ريف حماة الغربي: “قريتنا لم تعد كما كانت. لا نسافر، لا نزور الجيران، وحتى ملابسنا تغيّرت خوفاً من التعرض للمضايقات. أصبحنا نعيش بحذر وكأننا مراقبون في كل لحظة.”
أما حسناء، وهي أم لطفلين، فتشير إلى أن الخوف حرم النساء من المشاركة في الحياة العامة، وتقول، في حديثها إلى “الأخبار“، “لم نعُد نمارس طقوسنا الدينية أو الاجتماعية بحرّية. حتى اللباس تغيّر، فالكثير من الفتيات ارتدين الزيّ الشرعي لا عن قناعة، بل اتّقاءً للتحرّش أو السخرية. نعيش وكأننا مراقبون دائماً. لا نضحك بصوت عالٍ، ولا نجتمع إلا في الخفاء. أصبحنا نحيا بحذر لا يليق بالبشر“.
معاناة “اللاهوية” وغياب الحقوق:
تفاقمت الأزمة الإنسانية مع غياب الوثائق المدنية، إذ بعد سقوط النظام، فُرضت قيود مشدّدة على إصدار الهوّيات الشخصية، ما جعل آلاف الشبان يعيشون حال “اللاهوّية”.
يقول علاء، وهو شاب في الثلاثين من عمره: “أنا محروم من أبسط حقوقي. لا أملك بطاقة شخصية، ولا أستطيع مغادرة قريتي. يعاملنا النظام الجديد كأننا متّهمون فقط لأننا علويون، أو لأننا كنا في الجيش. كبار الضباط الفاسدين هربوا، وبقينا نحن ندفع الثمن.”
ويضيف محمد، خريج الكلية الحربية الذي لم يخضْ أي معركة: “تخرّجت قبل السقوط مباشرة، ولم أشارك في القتال، لكنني اليوم عالقٌ هنا بلا هوّية. أريد فقط ورقة تثبت أنني مواطن. لا أطلب مالاً ولا وظيفة، فقط أن أعيش من دون خوف من الاعتقال.”
اقتصاد منهار وأمان مفقود:
مع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية، فقدت قرى ريف حماة الغربي توازنها الاجتماعي والاقتصادي. فقد توقفت المشاريع الزراعية، وتراجعت فرص العمل، فيما تتحمل النساء مسؤولية إعالة أسرهن في ظل غياب الدعم الحكومي والخدمات الأساسية.
تقول إيمان، وهي أم لأربعة أطفال: “نعيش تحت خط الفقر. لا دخل ثابتاً، ولا كهرباء، ولا دواء. ننام جائعين ونستيقظ على الخوف نفسه. صار الأمان هو الرفاهية الوحيدة التي نحلم بها.”
الأمان أولاً:
رغم صعوبة المعيشة، يتفق سكان المنطقة على أن الأمان هو الشرط الأول لأي إصلاح أو تعافٍ محتمل. فـ“الفقر يمكن احتماله، لكن الخوف لا يُحتمل”، كما تقول الأمهات اللاتي فقدن أبناءهن، والرجال الذين يختبئون في الجبال، والشباب الذين يعيشون بلا هوية بانتظار لحظة استقرار لم تأتِ بعد.
إقرأ أيضاً: تصاعد المجازر الطائفية في سوريا منذ سقوط الأسد: حصيلة القتلى 3908 مدني
إقرأ أيضاً: حمص تتصدر قائمة ضحايا التصفية الطائفية.. 346 ضحية منذ مطلع العام في سوريا